الإرهاب.. المسكوت عنه

TT

لدينا قوانين تعتقل وتسجن، بل وتعدم من يقومون بأعمال إرهابية. وهناك إرهاب مسكوت عنه بل ربما مستحبٌّ ويجد له جمهوراً كبيراً في الشارع والفضائيات العربية ومنابر المساجد والصحافة، وهو الإرهاب اللفظي والفكري وحفلات الشتيمة والتخوين والعمالة. حوار السياسيين اللبنانيين استُخْدِمَتْ فيه كل أسلحة الدمار الشامل، فهذا عميل أميركي صهيوني والآخر عميل سوري، وهذا متهمٌ بالمشاركة في اغتيال هذا الزعيم، والآخر متهمٌ بقتل زعيم آخر.

في العراق، يتبادلُ زعماء الطوائف لغة سوقية تكفيرية تخرج الناس من الملة وتلقي بالتهم بتدمير وحرق المنازل ودور العبادة جزافا ودون دليل على صحة هذه الاتهامات وتدفع هذه الطروحات المتطرفة الى الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.

في مصر، تنافسَ نوابُ الحزب الحاكم مع نواب الإخوان المسلمين في حفلة سباب من نوع خاص ضد وزير الثقافة فاروق حسني واتهم بالخروج عن الإسلام والشذوذ والتغريب وتنفيذ مخططات الأعداء وغيرها، وهي لغة خشنة متوحشة بغضِّ النظر عن الشخص والقضية المختلف عليها.

في البرلمان الكويتي، سباب بين نائبين امتلأ بالطرح القبلي ومحاولة التقليل من قيمة النواب المنتخبين وهيبتهم، وكلام يدين من يقوله في الشارع فكيف يقال في قاعة برلمان محترم!

هناك من يُهوِّن ويخفف من خطورة الإرهاب الفكري واللفظي، وينسى أن التحريض والتخوين والتكفير هو المقدمة للإرهاب الجسدي والمادي والتصفيات والاغتيالات. فما الذي يمنع شاباً متطرفاً دينياً من قتل شخص يقول عنه زعماء دينيون بأنه كافر وخارج عن الملة، وما الذي يمنع شابا متطرفا قومياً من قتل شخص يقول عنه زعماء القوميين إنه خائن للأمة وينفذ مخططاً أميركياً صهيونيا.

لقد انتبهت المجتمعات الديمقراطية لخطورة الإرهاب اللفظي، فوضعت القوانين الصارمة التي تجعل الرئيس الأميركي يعتذر للأمة لأنه قال نكتة عن الايرلنديين تشتم منها رائحة العنصرية. واضطر رئيس وزراء إيطاليا للاعتذار لأنه أهان المسلمين. وتم تشريع قوانين ضد العنصرية في كل المجتمعات الديمقراطية تجرِّم من يمارس الإرهاب الطائفي أو التخويني أو التكفيري، بينما تُمَارَسُ كل أنواع الإرهاب اللفظي لدينا وتستخدم لغة السباب والشتيمة بدون أن يجد الشتامون واللعانون والتكفيريون والتخوينيون من يوقفهم عند حدِّهم ويحمي الناس من شرورهم!

الكلمة الطائشة كالرصاصة تخدش وتؤذي الإنسان وتجرح كرامته وكرامة أسرته، ولكنها أصبحت ممارسة يومية في الصحافة والتلفزيون والبرلمان والمنابر يتقبلها الناس بل ويهللون لها ويفرحون وكأن الأمة تمارس حفلة مصارعة حرة جماعية!

قديما قال أحد الفلاسفة الألمان «كلما ضعفت حجة خصومي زادت شتائمهم»، وهذه هي الحقيقة مع الأسف!