اغتيال ابتسامة

TT

هناك تعابير بليدة في المصطلحات العربية ولغة الاعلام اليومي، منها ان فلانا «قتل بوحشية»، مما يعني تضمينا ان ثمة قتلا انسانيا. وآخر من اغتيل «بوحشية» في يوميات العراق كان الكوميدي الشعبي وليد الحسن، الذي اضحك العراقيين على انفسهم وعلى مآسيهم وعلى نزاعاتهم القاتلة. وقبل ذلك كانت عصابة من القتلة قد هاجمت محطة تلفزيونية وقتلت المذيعين والمحررين والحرس. وهؤلاء الضحايا هم من نعرف هوياتهم ،لأن لهم شهرة اجتماعية ما. لكن في سبيل عدم قيام أي شكل من اشكال الدولة، تشمل يوميات العراق ايضا قتل عمال القمامة، وهو اقصى حد من حدود الوحشية، اذا كانت للهمجية المدبرة او العفوية من مقاييس ودرجات. تذّكر هذه العدمية بما حدث في الجزائر طوال اعوام، ولكن مع فارق مرعب في اعداد الضحايا والوحوش معا. فأكثر الارقام تشاؤما وضعت عدد قتلى الجزائر عند 250 الفا، وظل العدد الرسمي المعترف به نحو 50 الفا. لكن الارقام العراقية شبه الرسمية تقول ان مجمل الضحايا يزيد على 650 الفا، جميعهم عراقيون، وجلهم بأيد عراقية، مقابل نحو 3 آلاف من جنود الاحتلال. هذه العدمية المتظللة بالنضال شهدناها في الجزائر من قبل، مرحلة مرحلة. وعندما تصل المسألة الى الفنانين والذين يحاولون اضحاك العراقيين، وهم غارقون في الدم والدموع، يتخذ المصطلح البليد بعدا سقيما اضافيا، اذا ما تبقى هناك من سقم وبلادة ووحشية لوصف حال الانحطاط الانساني، التي يغرق فيها العالم العربي.

على ان ثمة فارقا واضحا بين ما كان عليه الوضع في الجزائر وبين ما هو الوضع في العراق اليوم. ففي الجزائر كانت هناك مؤسسة عسكرية قوية تحمي الدولة والمؤسسات وتحول دون انهيارها. وكان القتلة هناك يتقنعون بثياب الدرك لارتكاب المجازر. اما في العراق فلم يعد معروفا ان كانوا حقا من الشرطة ام انهم مزورون. وقد اعلن وزير الدفاع العراقي يوم الاثنين الماضي، اكتشافا مدويا تعليقا على حصيلة الموت ذلك النهار، اذ قال «ان العراق في حالة حرب»! لا، لا، لا. كنا نعتقد ان العراق في نزهة على دجلة يتمشى ويقرأ قصائد احمد الصافي النجفي، الذي تكهن، شعرا، بما يحدث وهو يافع بعد. وقبل ان يهاجر نهائيا الى بيروت ليعيش بعباءه بسيطة في مقهى الحاج داود على البحر وشقته المعزولة.

هل غادر الشعراء من متردم؟

انهم لا يطيقون مشاهد القسوة الرسمية او الشعبية. ولذلك عاش الجواهري في الخارج ايضا. وهرب البياتي الى العواصم. ومات بلند الحيدري في لندن. وترك بدر شاكر السياب جيكور الى بيروت والكويت. وجميعهم لم يعيشوا ليروا فنانا مضحكا يقتل بثلاث رصاصات في الرأس على طريقة اعدامات المافيا. ماذا كان السياب سيكتب تحت عنوانه النائح الشهير يا عراق!