لبنان.. بات المشهد رتيبا!

TT

نزل صحافيون لبنانيون كثر لتغطية وقائع جنازة الوزير المغدور بيار الجميل، آخر ضحايا الاغتيالات السياسية اللبنانية التي يكاد تكرارها يكرس موقع لبنان كإحدى أكثر الدول في العالم تعرضاً لمثل هذا النوع من التصفيات العنفية. ورغم أن انعكاسات مأساة مقتل الجميل على النحو الذي تمت فيه تجلت عبر فجيعة زوجته وعائلته ومحبيه ومن شاركوا في الجنازة ما يقدم صورة مؤثرة ومعبرة تتهافت عادة وسائل الإعلام على نقلها، إلا أن قلة من الصحافيين تمكن من تجاوز مشاعر الرتابة المشهدية التي يعيشها اللبنانيون اليوم.

لم تكن مضت ساعات قليلة على جريمة مقتل الجميل حتى كانت الشاشات قد استنفرت: توقفت البرامج العادية وحلّت التغطيات المباشرة والاخبارية للحدث، استعيدت آخر مواقف الجميل بالصوت والصورة مع تقطيعات موسيقية مؤثرة، وتكرس الانقسام اللبناني عبر تفاوت الاهتمامات والمعالجات لدى القنوات كل بحسب انحيازاته.

الأحداث اللبنانية التي تستبطن الكثير من احتمالات الصدام الأهلي والسياسي هي بلا شك مادة يترصدها الصحافيون المحليون والوافدون، بل إن أفلاماً وثائقية عدة أنجزت وأخرى قيد الإعداد لتأريخ ما يجري في البلاد، والأحداث المتواترة تقدم لمعدِّي تلك الأفلام مادة غنية كل يوم إلا أن تلك الأفلام تحمل في معظمها نهايات مفتوحة، إذ لا يتوقف الحدث اللبناني عن اجترار نفسه وتبدو التعقيدات أشد التباساً من احتمالات الحل والتسوية، وبالتالي يصعب تخيل خواتم مريحة للمأزق الراهن. الانقسام اللبناني لا يوحي بعد بأن هناك بوادر حلول أو نهايات واضحة، لذا فإن استنفار الإعلام على اختلافه وتنوعه يبدو مفتوحاً على احتمالات ليس أقلها الصدامات الأهلية.

وما يزيد من التباس المشهد وغموضه هو ذلك الاتفاق الضمني غير المعلن في عدم عكس ما يقال في الشارع صراحة عبر الإعلام. صحيح أن بعض الإعلام يستخدم انزلاقات المواقف في الشارع لتجييش طائفي وسياسي لكن حتى هذا القليل مما تعكسه الشاشات يعدّ تبسيطاً لحقيقة ما يعتمل في الشوارع اللبنانية التي باتت على حافة الانفجار فعلياً وليس مجازياً، وما جرى من صدامات ومواجهات على هامش جنازة بيار الجميل كان عينة من ذلك الاحتقان. وهذه الصدامات عكستها الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية من دون تظهير فعلي لمشهد الصدام أو للغته واحتقانه. وهنا يبرز تساؤل يتعلق بتقدم المهنية على الأخلاقي أو العكس، إذ قد يبدو أن تظهير الانقسام على حقيقته مهمة تقتضيها الأمانة المهنية ولكنه في نفس الوقت مادة تفجيرية، فأين يقف الإعلامي في هذه المعادلة!

الأرجح أن الأمر يتطلب موازنة بين الشروط المهنية وبين الضرورات التي تتعداها. قد يتمثل الأمر في تظهير الانقسام كما هو في مقابل إعطاء المخاطر الناجمة عن ذلك قدراً من المساحة وهذا تصور غير نهائي على كل حال وقد يحتاج إلى مزيد من التفكر والتداول بين المهتمين. وإلى أن يرتسم حل لبناني ينهي مشهد الانقسام ستبقى الصورة الحقيقية على هوامش المشهد المنقول وليس في متنه.

diana@ asharqalawsat.com