حتى أنت يا طه حسين ؟

TT

هذه حكاية طريفة وعجيبة، والعهدة فيها على صديقنا الطيب صالح. لقد سمعنا الكثير عن ادبائنا الذين سرقوا حكاياتهم من الغرب، والذين اقتبسوا حبكاتهم من ادبائه، والذين تأثروا بآدابه وخطفوا زوجاتهم من اصحابهم. انهم كثيرون وتعثر بهم في كل مفترق او ملتقى طرق. ولكنني حتى اليوم آليت على نفسي ألا اضم اليهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. لقد علمنا على الاصالة والابداع، وما تعلمنا.

هكذا اعتقدت، ولكن الطيب صالح خرج علينا في مجلة «الثقافية»، التي يصدرها المركز الثقافي السعودي في لندن، بحكاية جديدة. يقول انه قرأ مؤخرا مقالة اوردها طه حسين في كتابه «من بعيد» عن مؤتمر عقد في بلجيكا عام 1923 وحضره جمهور من العلماء والباحثين. كان بينهم عالم بلجيكي اسمه دوبريل ألف كتابا عن الفلسفة اليونانية، ذكر فيه ما ادهش الاديب العربي في انه انكر وجود سقراط واعتبره شخصية اسطورية من نسج الخيال لا وجود لها في التاريخ. اثار هذا الادعاء حفيظة عالم فرنسي آخر اسمه لفيفر، فتصدى له وجرت بينهما مناقشة حادة وطويلة في الموضوع، وصفها طه حسن فقال: «في لجنة تاريخ الحضارة في العصر القديم، كان ينتظرني دهش عظيم ولذة اعظم، لأني سمعت محاورة ما كنت اظن اني سأسمعها في يوم من الايام. وكانت هذه المحاورة بين عالمين خطيرين، احدهما فرنسي والآخر بلجيكي، كان موضوع هذه المحاورة غريبا...»،

ثم يمضي الدكتور الفاضل فيصف مدى تأثره بها فيقول: «اعترف بأنني كنت معجبا بهذا الاستاذ حين كان يتكلم، ولم اكن منفردا بهذا الاعجاب».

يطرح الطيب صالح هذا السوأل: اذا كان الاوربيون يتجرأون على الشك في وجود سقراط فلماذا لا يفعل هو شيئا مماثلا في الثقافة العربية فيشكك بوجود الشعراء الجاهليين؟

يا عزيزي الطيب. هذه مسألة مش عاوزة سؤال. فالفترة بين صدور الكتابين، نحو ثلاث سنوات لا غير، لا تدع مجالا للشك في ان صاحبنا عميد الادب العربي قد لطش الفكرة من العالم البلجيكي. واذا لم يرق للطيب هذا الجزم والحسم من جانبي فسأضيف عليه واثير الشك بوجود طه حسين نفسه. ربما كان هو ايضا شخصية اسطورية من نسج خيال نقاد مصر وصحفييها.

انا لم اقرأ كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، ولا اتذكر شيئا من ذلك الشعر غير قول امرئ القيس «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل»، ولكنني مندهش من دهشة العميد الكبير. فقبل ذلك انكر شارلس داروين وجود نوح عليه السلام وانكر فولتير وجود الخالق، فلم لا ينكرون وجود فيلسوف يدور في الطرقات والاسواق؟

ومع ذلك فأشعر بخيبة. وخيبتي عظيمة. حتى انت يا طه حسين تلطش افكارك من الخواجات؟