انتهاك سهل لإجماع مستحيل

TT

قد يستغرب كثيرون استمرار هذا الطرف العربي او ذاك في متابعة الاتصالات مع حكومة آرييل شارون، في مخالفة صريحة لتوصية جامعة الدول العربية بوقفها، احتجاجاً على «الحرب» القمعية التي تشنها على المواطنين الفلسطينيين. والمشكلة هنا طبعاً لا تتصل بمبدأ الحوار، بل بالجدوى منه مع آلة حربية تتقنّع بقناع السياسة.

فمن تابع تغطيات الصحافة العالمية خلال الاسبوع يدرك كم يشعر عقلاء اليهود ومعتدلوهم بالخجل من نهج شارون المتطرف وتخوّفهم من تبعاته وتفاعلاته. وقد ذهب نفر من هؤلاء الى حد وضع علامات استفهام كبيرة حول المبرّرات الفلسفية والدينية والاخلاقية لمواصلة تأييد كيان روّج لنفسه طويلاً على انه «وطن سلام وطمأنينة» و«ملاذ لشعب مستضعف (بفتح العين) ومضطهد». كما قارنت بعض اقلام المفكرين والصحافيين اليهود ما ترتكبه حكومة شارون بسياسات النظام العنصري السابق في جنوب افريقيا. واوردت صحيفة بريطانية شهيرة، يرأس تحريرها يهودي، في افتتاحيتها، عبارة تفيد صراحة بأن ما تمارسه الحكومة الاسرائيلية متعارف عليه عالمياً بالعنصرية.

إزاء هذا الواقع..

إزاء صور طائرات الـ«إف ـ 16» وهي تصب حممها على القرى الفلسطينية ومخيمات اللاجئين..

إزاء مشاهدة آثار قذائف الدبابات وهي تحيل المنازل والمدارس إلى اطلال دارسة..

إزاء الهدم والجرف المنتظم والمدروس الذي اتى حتى الآن على مئات البيوت في قطاع غزة وحده..

إزاء تبجح آرييل شارون ووزارئه بالجاهزية التامة لاستخدام ارقى ما في الترسانة الاسرائيلية من اسلحة الدمار.. لإنهاء «انتفاضة»، هي في نهاية المطاف «انتفاضة» شعب ترفض اسرائيل الاعتراف بحقه في تقرير مصيره، فوق ارض ترفض ايضاً انها ارضه..

إزاء كل هذا «يجوز» من منطلق اخلاقي تأجيل المبادرات الانفرادية التي تنتهك الإجماع العربي تحت حجة القرار السيادي، ويتوجب التضامن في وجه الانزلاق نحو الهاوية... وفق اعتبارات المصلحة، إذا اسقطنا نهائياً معايير الأخوة والعروبة والإسلام.

لا شك ان هناك ضغوطا تمارس على اكثر من دولة عربية لخرق أي إجماع عربي، لكن يستحيل ممارسة السياسة من دون ثوابت و«خطوط حمراء». وها هي الادارة الاميركية التي سبق لها ان لامت الادارة السابقة على «انغماسها» المفرط في أزمة الشرق الاوسط، واعدة التيار الانكفائي داخل الولايات المتحدة بالاهتمام بمصالحه القومية فحسب، ترى انها باتت مجبرة على التدخل. وهي إذ تتدخل اليوم فلا تتدخل حرصاً على إرضاء هذا الطرف او ذاك، بل لأن التأزم الحالي يهدد بجر الشرق الاوسط برمته الى حرب مدمرة للجميع تخرج عن اي حد كفيل باحتوائها. وبالتالي من واجبات القوة العالمية العظمى الوحيدة منع انفلات الوضع ودرء خطر انهيار عوامل الاستقرار الاقليمي كلياً.