هل تصبح الأسماء جزءا من التراث..؟

TT

كانت الاسماء الى عهد قريب تعد البوابة الرئيسية والوحيدة للدخول الى مجال شخص الانسان والاستدلال عليه.

فبدونها يختلط التوجيه، وتتداخل الملامح ويغدو من الصعوبة بمكان تمييز كنه الانسان وتحديد طابعه الخاص وتميزه عمن سواه.

فعندما نقول (ادم) فلا شك أننا نقصد سيدنا ابا البشر عليه السلام، وعندما نطري (عنترة) فهذا اللفظ يعني الفارس الشاعر الشجاع الاسود العبسي.. وعندما نذكر حاتم الطائي او الخنساء او كافور الاخشيدي او الاسكندر الاكبر او شجرة الدر او الملك عبد العزيز فانما نقصد شخصا بعينه لا يمكن ان نخطئه.

وهذا التميز يعرف بالتميز السمعي.. بمعنى ان الاسم (اللفظ) مرتبط ارتباطا وثيقا بالشخصية وملامحها المرئية والضمنية لا يمكن الفصل بينهما. وكل منا يحمل اسماً امتزج مع شخصه طوال سنوات عمره ليغدوا واجهة واحدة لكيان واحد، رغم الصعوبات التي قد تحدث في بعض حالات التشابه الشكلي للاشخاص وحالات تكرار الاسماء وتطابقها (الشائع في عالمنا العربي).

دلالات الأسماء العربية يولد الطفل فيقوم اهله بتسميته بمسمى لا يفارقه طوال حياته إلا ما شاء الله.. وعادة ما يكون هذا المسمى صورة لما يحب الأهل ان يكون عليه طفلهم مستقبلا من الصفات الحميدة.. (كريم.. فارس.. حبيب) او الصفات الأخرى ذات الدلالة على هيئة المسمى (هاني.. عباس.. ناعسة) او يشابه بعض المخلوقات الحية مثل (ريم.. ليث.. مها.. صقر) او بعض الاشياء والاماكن والبلدان (كصخر.. وهند.. وجواهر) او الأوقات (رجب.. ضحى.. صباح) او ان يختاروا له اسما من اسماء المشاهير (كعمر.. وخالد.. وقيس).

او الروائح الزكية او المناظر الطبيعية او الاجرام السماوية. بالاضافة الى الاسماء المفضلة التي تكسوها الصبغة الدينية.. ككل ما عبد وحمد. ومما نلاحظه في بعض الحالات الخاصة تسمية الطفل باسم قبيح خوفا عليه من الحسد او زيادة في التشاؤم او الكره الشديد له او لأحد اقاربه.

أكثر من اسم كان وما زال للانسان هاجس التميز والبروز مما دعا البعض الى اتخاذ اسماء متعددة لأنفسهم او لأبنائهم مثل:

ـ الاسم المركب.. كمحمد سعيد..

ـ اسم الشهرة.. أو فلان.. او اخو فلانة..

ـ اللقب.. كالمنصور.. والجارح.

ـ الكنية.. كمداح القمر.. او عاشق النجوم.. وغيره.

ـ الاسم البديل.. وهذا يتم اطلاقه في حالات نادرة كالخوف.. او في حالات عدم رضى المسمى عن اسمه الأساسي.

البديل العصري مما لا شك فيه ان تناقص القيمة الحقيقية للأسماء في العصر الحديث يدعونا للاعتقاد أن انسان هذه الحقبة من الزمن اصبح بالنسبة لعدة جهات رسمية عبارة عن ارقام اكثر مما هو اسم فهو في نظر الجهات الرسمية..

ـ رقم البطاقات الشخصية (بداية بشهادة المولد وحتى شهادة الوفاة) ـ رقم حسابه البنكي وبطاقات الائتمان ـ رقم رخصة القيادة.. ورقم سيارته ـ رقم التوظيف ـ رقم النداء الآلي والهاتف الشخصي ـ رقم الملف الصحي وغيرها من الأرقام التي تلازمه لفترات قد تطول وتقصر في حياته غير انه لا يستطيع العيش بدونها.. بل انها قد تكون في احوال كثيرة البديل المطلوب لاسمه.

الرقم السري مع التقدم المهول في التقنية العلمية والاستخدام المتعاظم لها في جميع المجالات ودخول الأرقام السرية لأغلب المجالات.. اصبح لأغلب الاشخاص ذوي الأهمية الخاصة رقم سري لا يعرفه سواه، يستطيع من خلاله القيام بالسحب او الايداع في حسابه الخاص، او اثبات حضوره الى مقر عمله، او القيام بفتح بوابة منزله او سيارته او حتى هاتفه الشخصي، فالآلات التي يتعامل معها لا تعرف اسمه.. وهي فقط تحفظ رقمه السري وتتعامل معه (كرقم) لا كاسم.

دمج الأرقام تقوم بعض الدول المتقدمة بتوحيد الأرقام المعطاة للشخص حتى تسهل عليه عملية حفظ الأرقام الكثيرة، وبالتالي تحديد شخصيته بواسطة رقمه العام والذي يتفرع منه رقم سري واحد للمهام التي يفترض ألا يقوم بها سواه.

فالرقم العام يعمم على البطاقة الشخصية ورقم الهاتف ورقم رخصة القيادة ورقم التوظيف وغيرها.. بينما يعمم الرقم السري على مفتاح المنزل والسيارة ومفتاح الحساب البنكي ومفتاح الحاسب الشخصي وغيرها من الخصوصيات.

هل يصبح الرقم بديلا للاسم؟

هذا هو السؤال الذي لن نستطيع الاجابة عنه في الوقت الحالي مع العلم انه يتحقق شيئا فشيئا..

فتصبح في نظر الناس (5376538/790) ورقمك السري (********) ويتفرع منك ابنك (1ـ5376538/790) والذي للأسف الشديد لن تكون لك الحرية الكاملة في اختيار (رقمه العام المتفرع عن رقمك) كما انه سيظل بلا رقم سري حتى يكون قادرا على اختياره دونما اطلاع او تأثير من أحد؟

المستقبل المجنون في الآونة الأخيرة استطاع العلم الحديث فتح مجالات جديدة للتعريف بالأشخاص اكثر دقة وتطورا عن الأرقام السرية، بل انها اكثر أمناً واقل عرضة للتزوير.

فاختاروا الصوت للتعرف على شخصية المتكلم.. حيث تقوم اجهزة خاصة بمقارنة الصوت مع صوت سبق تسجيله لنفس الشخص فاذا تطابق الصوتان قامت الأجهزة بتنفيذ ما هو مطلوب منها واذا لم يتطابق الصوتان اعتبر الشخص غير معروف.

كذلك تم اختيار صورة حدقة العين كوسيلة للتعرف على الاشخاص وهنا تنعدم القدرة على التزوير فشبكة العين كيان فريد خاص بالشخص لا يمكن تقليده او تزويره.. وهناك دراسات اخرى على استخدام البصمات او النبضات المنبعثة من اطراف الأنامل. وكل ذلك إمعانا في دقة تحديد الشخصية دونما إعطاء اي اهمية للاسم.

ويوجد في المطارات المتقدمة كاميرات خاصة مرتبطة بحاسوب ضخم يستطيع من خلال التصوير البعيد التعرف والتمييز بين عشرات الآلاف من الاشخاص في خلال ثوان معدودات، وذلك بتصوير المنطقة المثلثة الواقعة بين العينين والأنف، بحيث يمكن التعرف على المطلوبين على القوائم السوداء دونما عناء مهما بلغت قدرتهم على التخفي وتبديل الملامح.

وربما يأتي اليوم الذي لا يتمكن المرء فيه من معرفة ابنه او تحديد زوجته إلا عن طريق الآلات. فالى أين يأخذنا العلم الحديث؟ وهل ستصبح الاسماء جزءا من التاريخ والتراث؟

هذا ما ستكشفه الأيام لمن سيهبه الله منا العمر الطويل.

* كاتب سعودي