إسرائيل.. وفاغنر

TT

كثيرا ما يتجدد الجدل حول فاغنر في اسرائيل، ولا يتوقع الوصول الى اجماع حوله، ولذلك يصبح من الضروري استبانة الخلفية التارخية للجدل الدائر حاليا.

قام برونسلاف هيوبرمان بتأسيس اوركسترا اسرائيل الهارمونية عام 1936، عندما لم تكن اعمال فاغنر قد طالها التحريم. وفي الوقت ذاته قرر آرتورو توسكانين، المعروف بعدائه للفاشية، الا يشارك في العزف في مهرجان بايروث نسبة لحضور هتلر، مع انه شارك في تقديم اعمال فاغنر في الاحتفال بالعيد الثاني لتأسيس اوركسترا اسرائيل.

كانت الاوركسترا تدار بصورة مستقلة، ولم تقرر التوقف عن تقديم اعمال فاغنر حتى ليلة الكريستال في نوفمبر (تشرين الثاني) 1938، وذلك لأن النازيين بدأوا حينها في اساءة استخدام موسيقى فاغنر. وبعد محاولات عديدة فاشلة، دعاني القائمون على مهرجان اسرائيل لقيادة كونشيستو يشمل موسيقى لفاغنر، وكان ذلك في 7 يوليو (تموز) وذلك اثناء جولة قامت بها لاسرائيل فرقة برلين التابعة للدولة.

انني اتفهم الايماءات الفظيعة التي تتركها موسيقى فاغنر في اذهان الباقين من ضحايا المحرقة. ولذلك اتفهم الا تقدم هذه الموسيقى اثناء المواسم الموسيقية العادية. ولكن من حقنا ان نثير السؤال التالي: هل من حق الاشخاص الذين ترتبط موسيقى فاغنر لديهم بايحاءات معينة، ان يحرموا من هذه الموسيقى اشخاصا آخرين ليست لديهم تلك الايحاءات؟ والا يخدم ذلك اهداف النازيين الذين اساءوا استخدام تلك الموسيقى؟

ان بعض القرارات تكون صحيحة ومفهومة في ظروف معينة، ولكن حدوث تطورات جديدة يمكن ان يغير هذا الوضع.

وكمثال على ذلك نورد الموقف الذي اتخذته ادارة اوركسترا بعد الحرب العالمية الثانية، بألا تتعاقد مع موسيقيين تخلوا عن اليهودية قبل الحرب او اثناءها، مثل برونو والتر واوتو كليمبرر.

اذا وضعنا الظروف في الاعتبار، لقلنا ان هذا القرار كان مفهوما. ولكنه ومع مرور الزمن صار يصرف عنه النظر. وذلك لان التخلي عن اليهودية لم يعد ينظر اليه كدليل على العنف او كمحاولة لتحسين الشرط الشخصي عن طريق التلاؤم. كثيرا ما يردد البعض ان اسرائيل دولة موقوفة على اليهود. ولكن الواقع يشير الى ان اكثر من 20 في المائة من سكانها من غير اليهود. وان اسرائيل لملزمة بمعاملة هؤلاء السكان كمواطنين متساوين في الحقوق مع اليهود.

ويترتب على هذا ان اولئك الذين لا تثور في اذهانهم الايحاءات النازية عندما يستمعون الى موسيقى فاغنر، يجب الا يحرموا من الاستمتاع بهذه الموسيقى. وليس هدفي هنا ان ادشن حملة تبشيرية بالانابة عن فاغنر داخل اسرائيل، ولكنني اشعر ان هذه من تلك الحالات التي يتوجب على اسرائيل ان تتصرف ازاءها باسلوب الدول الديمقراطية.

* رئيس اوبرا الدولة ببرلين، وقائد الاوركسترا الاول ـ خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»