خروج المرأة السعودية للعمل سيكون بعباءة الإسلام لا بدونها

TT

في البداية أود التأكيد على ان حيثيات هذا المقال تدور حول اهمية تنشيط دور السعوديات في التنمية، بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، من دون الوقوع في هوة ترجيح كفة الجانب الاجتماعي على الاقتصادي او العكس، مع التنويه الواضح بأن ذلك المشروع السامي يتم بتضافر الجهود الحكومية والاهلية على حد سواء، وعليه فإن دعوتي هنا هي لتوسيع خروج المرأة السعودية للعمل وسيكون ذلك بعباءة الاسلام لا بدونها كما يتخوف البعض من هوة تسطيح الامور.

وعليه فإلى حيثيات الرؤية النقدية التي لا تدع مجالا للشك في ان المرأة السعودية حققت وانجزت بمجهودها الكثير ولم تنل سوى القليل، الامر الذي يرجع لسوء التنظير حول قيمة اشراكها في التنمية الشاملة تماشيا مع طلب السلامة وسد الذرائع:

المحور الاول يذهب البعض بعدم سلامة الاخذ بالنسبة المتدنية لمساهمة المرأة في خطة التنمية والمقدرة %50 نظرا لكون تلك النسبة غير دقيقة وينقصها اضافة مساهمة المرأة القابعة في المنزل تماشيا مع القيمة الاقتصادية للنشاطات المنزلية، الامر الذي اختلف فيه جملة وتفصيلا، نظرا لكون تلك الشريحة عاطلة اقتصاديا عن العمل بكل المقاييس وخارج سوق المهن والوظائف المدرة للربحية، والحديث هنا بغض النظر عن اهمية دورها الاجتماعي الذي سمي اجتماعيا، نظرا لكونه كذلك وهو الابعد ما يكون عن الجانب الاقتصادي الممكن احتسابه في المعدلات التنموية.

وقد يكون الحديث مقبولا بلغة العصر اذا ما تم الحديث بملامسة واقع المرأة السعودية الطموحة وجدوى الاستفادة من فرص العمل التي تتيحها ثورة المعلومات وامكانية مزاولة الاعمال والوظائف عن بعد عبر الاستغلال الامثل والكفاءة لشبكة الانترنت مع بيان تفصيلي عن الكيفية التي يمكن عبرها مزاولة الاعمال عبر الانترنت.

المحور الثاني تتم الاشارة بما مفاده، لا نصه، على الدوام بأن التقدم والرقي لا يتم عبر المصانع او التجارة او اسواق العمل كما يحاول المنظرون وعلماء الاجتماع استبعاد دور المخططين الاقتصاديين، ومن وجهة نظري أرى ان في ذلك تنظيرا كبيرا للغاية لا يلامس ارضية الواقع الذاهبة بالتأكيد على كون الاقتصاد هو الحصان الذي يجر العربة ويحرك معدلات النمو الاقتصادي، فما قيمة الدافع والانجاز اللذين ينظر حولهما من دون وجود القنوات السليمة التي تستثمر ذلك الدافع لدى الفرد العادي؟ وكيف تستبعد دور الرساميل (رؤوس الاموال) التي تنهض بالمؤسسات التجارية والصناعية وتمتص الافراد القادرين على العمل واستغلال الامثل للكفاءات؟

المحور الثالث يتم الحديث بشكل فيه مغالاة مع الاتكاء على كفة الدور الاجتماعي للمرأة ووجوب احتسابه في معدلات المساهمة في الخطط التنموية مع بيان ما لتربية الاجيال والاعمال المنزلية من قيمة لا تملك كاتبة هذه السطور في هذه الدراسة النقدية التي ملخصها بين ايديكم سوى التسليم بمبادئ دور المرأة في المنزل، لكن من دون انكار المساهمة الفعلية لها في سوق العمل والوظائف. وأعيب على المنظرين تكحيل القضية بما يمهد للعمى بشأن اسهام المرأة في التنمية بدعوة لاحتساب عمل المرأة كمربية للاجيال والانشطة المنزلية من دون توجيه الاهتمام الكافي للانشطة الاقتصادية المدرة للربحية والدخل المالي الثابت.

المحور الرابع والاهم هنا هو مراعاة الاختلاف الجذري في مفهوم العمل المنزلي بين الغرب والشرق، فالدراسات الغربية التي تدعو لاحتساب الانشطة والاعمال المنزلية كمساهمة في التنمية الاقتصادية، لا يعول الارتكاز عليها في المجتمعات العربية عامة والخليجية خاصة، نظرا لكونها معلبة في قوالب غير متوافقة مع مجتمعنا. بمعنى اوسع المرأة الغربية التي تعمل في المنزل قد يرى «البعض» انها تساهم في اقتصاد البلاد، ولا أميل على الصعيد الشخصي نحو ذلك التوجه الذي يقضي بأن العمل المنزلي يعد مساهمة اقتصادية، ارتكازا على كون المرأة بالغرب تؤدي الاعمال المنزلية وتوفر على الاسرة عدم الاستعانة بخادمة لتنظيف المنزل او مربية، قد تلعب كذلك دور السائق في توصيل الاطفال الى الرياض او المدارس، الامر الذي يختلف في المجتمع السعودي الذي تعمل فيه على سبيل المثال ما لا يقل عن خادمتين وسائق في كل اسرة متوسطة الدخل، فأين التوفير؟ هل ستستغني ربة المنزل السعودية القابعة في المنزل عن الخدم او تقوم بالجلي والتنظيف؟ طبعا لا. او هل يمكن لها حتى قيادة السيارة؟ طبعا ستكون الاجابة بالنفي نظرا لتقاليد المجتمع السعودي وخصوصية وضع الاناث فيه. والنقطة الأخرى هي ان هيكل اجور العمالة المنزلية مرتفع للغاية في الغرب، والاستعانة بعاملة منزلية يكون بالساعة (40 دولارا تقريبا). ويكفي القول ان اجر اربع ساعات عمل في يوم واحد في الغرب يساوي راتب شهر كامل لعاملة اسيوية في السعودية (تتقاضى 160 دولارا)، ستمائة ريال سعودي في الشهر الواحد، الامر الذي يعد تفسيرا لدعوة الغرب باحتساب العمل المنزلي المكلف هناك كمساهمة تنموية ويفسر عدم تماشي تلك الدعوة المستوردة في الدول الخليجية والسعودية خاصة.

المحور الخامس أرى ان قضية اشراك المرأة في التنمية الاقتصادية لو تمت، وهي من مبادئ الادوار الاجتماعية، لاكتفت النساء حتى النشيطات تنمويا بالجلوس في المنزل وممارسة الادوار الاجتماعية والانشطة المنزلية ليتماشى ذلك مع التوجه المخيف نحو تعظيم الدور الاجتماعي على حساب الاقتصادي والدعوة المؤلمة لاحتسابه ضمن معدلات مساهمة الاناث في الخطط التنموية من دون مراعاة طموح السعوديات الباحثات عن موضع قدم في سوق العمل يدر عليهم دخولا وعوائد مالية مجزية. وبعيدا عن النظريات لا أماري على الاطلاق بالاشادة بدور المرأة الرئيسي في تربية الاجيال والقيام بالأعباء المنزلية، لكن من دون المساس او التقليل من المشاركة الفعلية في سوق العمل، لأن ذلك ببساطة بعيد عن احاديث الابراج العاجية وبلغة اقرب لمعاناة رجل الشارع العادي «ما يؤكل العيش»، خاصة مع تزايد اعداد العاطلين والعاطلات عن العمل ومن هم خارج دائرة سوق العمل، الامر الذي ستنتج عنه عواقب وخيمة قد تكون مدمرة، فالفراغ مفسدة بكل المقاييس والمرأة في العصر الحاضر بحاجة لوظيفة كريمة تضمن لها دخلا شريفا.

وقطعا.. يبقى للتذكير..

انه ليس بالادوار المنزلية او حتى الانشطة الاجتماعية وحدها نصلح ونغير احوال النساء في طول الدنيا وعرضها، كما ان الحديث والمغالاة في ذلك لا يمكن ان يضمن رغيف الخبز بأي مقياس كان، ولو ان السابق جانب الصواب لما تنافست الكوادر النسائية على تبوؤ المناصب العليا او حتى كدحت المعلمة السعودية الحديثة التخرج في العمل حتى في الهجر والمناطق البعيدة عن مسكنها الرئيسي.

وما زال الجدل قائما حول مساهمة المرأة في التنمية الشاملة، فالقضية جدلية ذات فلسفتين، فالبعض يرى جدوى مشاركة النساء فعليا في اسواق العمل، في حين يرى آخرون ضرورة بقائها في المنزل.

وأرى ان الحديث عن مساهمة المرأة، خاصة السعودية، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فضفاض للغاية، الامر الذي قد يثير الجدل حول فلسفة مساهمة نساء وطني في مختلف حقوق التنمية الشاملة.

* كاتبة سعودية [email protected]