عدم الكتابة عن الانتفاضة

TT

«لي عليك عتب ـ ولكن ليس كبيرا على قول فيروز ـ وانما «يعاتب من ترجى عنده العتبى»، فهل تأذن لي؟ أرجو ذلك..

منذ فترة لاحظت عزوفك عن الكتابة عن أي من أحداث الانتفاضة مع أنني لا أستطيع الانكار أن آخر ما قمت بكتابته عنها، لهو قد يكون أجمل ما قرأت فيها حتى الآن، ربما لامتزاج وصف ما يدور الآن بشيء من الحلم الجميل الذي يداعب كلاً منا بين الفينة والأخرى».

هذه فقرة من رسالة من ناهد عطار تسألني او تلومني، ربما معا، ولا شك ان الفطنة هي عند من يلاحظ حتى ما لا يكتب وليس ما يكتب فقط. رسالتها تدفعني لمناقشة مفهوم الكتابة في مسائل الازمات. ولا بد ان اقول محتجا انني أشبعت قضية الانتفاضة ومضاعفاتها بالكتابة خلال الاشهر الماضية حتى اصبت القراء بالملل واضطررت بعدها الى ان اتناولها في اطر متشابكة معها، مثل القمة او المساعدات ونحوها. وأعترف انني احجمت عن الكتابة الناقدة لأن الوقت لم يعد مناسبا في هذا الوضع المؤلم جدا والذي يتطلب ان يقول صاحبه خيرا او يصمت.

ومع ان موضوع الانتفاضة مكرر، وأحيانا ممل، الا اننا جميعا مطالبون بالحديث عن هذه الظاهرة وتبيان جوانبها، فهي قد لا تبدو واضحة لمشاهدي الصور السريعة على التلفزيون لان معظم اللقطات الاخبارية لا تتجاوز الدقيقة، والقصة المقروءة التي ترافق المشاهد عادة تماثلها في الوقت، اي ان عدد الكلمات المنطوقة 45 كلمة وحسب، على اعتبار ان الكلمة تستهلك ثانية ونصفا. ورغم محدودية الاخبار يظل هناك كلام كثير يذاع وصور كثيرة تبث هذه الايام ولن يكون كافيا. فالانتفاضة والمواجهة والحرب القائمة هي القضية الوحيدة، وقد تكون نتائجها حاسمة سلبا او ايجابا في تاريخنا جميعا. ولهذا لا اعتقد انه يوجد احد في الصف العربي، مهما اختلف مع السلطة او مع ما يحدث هناك، يمكن ان يقف على الضفة الاخرى. وبالتالي لم يعد يليق بنا، ككتاب او معلقين، ان نناقش اختلافاتنا ونطرحها ونحن نرى جميعا انه لا يوجد خيار للانسان الفلسطيني الذي يتعرض لعملية تدمير مدروسة ومتعمدة واجرامية. عندما لا يكون هناك خيار للانسان فكيف يمكن ان يحاسب او يناقش.

جميعنا نحتاج الى ان نتعرف على اهمية ما يحدث اليوم، فهو ليس مواجهة اخرى ولا عمليات استشهادية تهدف حصد المزيد من القتلى. في تصوري هذه معركة فاصلة، ولحسن الحظ ان الذي قرر خوضها هو الجانب الاسرائيلي بعد تولي ارييل شارون الحكم في اسرائيل. فهو الذي اثار الانتفاضة عندما زار المسجد الاقصى متحديا. وهو الذي اطلق الطلقة الاولى في حرب اليوم.

عدا عن الكتابات المتضامنة، وواحدة قد تكفي، فان من الافضل لمن له رأي آخر ان يحتفظ به لنفسه او لوقت آخر او لمكان مناسب غير الإعلام العام. فالوقت للتضامن فقط.