الشعب الإسرائيلي مُجرم بالعدوان

TT

يدور في الأوساط العربية جدل حول انتفاضة الأقصى: رأي يطالب بتركز الضرب في شكليه العادي أو الفدائي على قيادات الحكم والعسكر وتجمعاتهم، والامتناع عن ضرب المواطنين الاسرائيليين، وحجتهم في ذلك كسب الرأي العام العالمي إلى جانب الكفاح الفلسطيني، والرأي الثاني يطالب بالضرب الشامل لكل الاسرائيليين وحجتهم في ذلك ان النظام الاحتياطي للجيش الذي تأخذ به اسرائيل يجعل كل الشعب جنداً محاربين للفلسطينيين.

اجد نفسي اميل مع اصحاب الرأي الثاني، واضيف إلى حجتهم الصادقة حجة أخرى صادقة هي ان الشعب الاسرائيلي اختار من خلال الانتخابات الشعبية المباشرة في يوم 6 فبراير سنة 2001م اريل شارون لرئاسة الوزارة حتى يقود اسرائيل إلى العمل الاجرامي الرامي إلى ابادة الشعب الفلسطيني، مما يجعل حكومة الوحدة الوطنية والشعب الاسرائيلي كتلة اجرامية واحدة بدليل ان الاغلبية الساحقة في داخل اسرائيل تؤيد الاعمال الاجرامية التي تقوم بها الحكومة بموافقتهم على برنامج اريل شارون الذي تقدم به في حملته الانتخابية ويدعو إلى اقامة اسرائيل الكبرى بالعدوان على الانسان والارض الفلسطينيين.

تنفيذ هذه الخطة العدوانية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني اتضح من تبديل التفكير الرسمي والشعبي في اسرائيل برفض السلام الذي يحقق الأمن والمناداة بالأمن الذي يحقق السلام، والفرق بينهما شاسع لأن الوصول إلى السلام يحقق الأمن للطرفين، الاسرائيلي والفلسطيني بينما الأمن الذي يحقق السلام يرمي إلى تحقيق الأمن لاسرائيل وحدها، فتعطى تحت مظلة الأمن الذي تنعم به، السلام الذي تريده وحدده باعطاء الفلسطينيين شكلاً من اشكال الحكم الذاتي في مناطق متفرقة محاطة بمستوطنات يهودية، بهدف جعل هذه المناطق للحكم الذاتي الفلسطيني اجراء مؤقتاً حتى يتم التخلص منها على مراحل وفق خطة موضوعه ـ تستهدف قيام اسرائيل الكبرى، خصوصاً بعد ان حصل على «وعد باول» الذي اعلن تعاطف الحكومة الامريكية مع قيام اسرائيل الكبرى التي تمثل هدفاً عظيماً لليهود يرمي إلى اقامة الوطن القومي لشعب اللّه المختار.

هذه الخطة الاسرائيلية المدعومة من امريكا جعلت اريل شارون يتوسع في اقامة المستوطنات اليهودية فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة، واعتمد مؤخراً مبلغ 1300 مليون شيكل اسرائيلي لاقامة المزيد من هذه المستوطنات اليهودية تحدياً لتقرير لجنة ميتشل الذي يطالب بايقاف التوسع في هذه المستوطنات واصبحنا امام حالة متناقضة، قيام مستوطنات يهودية خالية من السكان في الوقت الذي تحاول فيه اسرائيل اخلاء الاراضي الفلسطينية المحتلة من سكانها بقوة السلاح.

لا نستطيع ان نفصل هذين المسلكين المتناقضين المتمثلين في اقامة مستوطنات خالية من السكان، ومحاولة اخلاء الاراضي الفلسطينية المحتلة من سكانها، عن التفكير الاسرائيلي الجديد المنادي بالأمن الذي يحقق السلام لأن اليهود في ظل انعدام الأمن بداخل اسرائيل يرفضون الهجرة اليها، بل ان كثيراً من اليهود الاسرائيليين قاموا بالهجرة المعاكسة بالخروج من اسرائيل والعودة إلى اوطانهم السابقة تحت مظلة ازدواجية الجنسية التي حافظت لهم على جنسياتهم السابقة، وادى ذلك إلى تناقص سكان اسرائيل بالخروج منها، وحال دون نموها السكاني بامتناع اليهود عن الهجرة اليها، وأدى ذلك إلى تناقص سكان اسرائيل بخروج اليهود منها، وحال دون نموها السكاني بامتناع اليهود في العالم عن الهجرة اليها، وتناقض ذلك مع طموحات حكومة الوحدة الوطنية في اقامة اسرائيل الكبرى، دفع رئيس الوزارة اريل شارون إلى التوسع في استخدام السلاح بكل انواعه ضد الثورة الفلسطينية، حتى تتم ابادة الشعب بأكمله ليصل إلى الأمن الاسرائيلي الذي يعيد الثقة عند اليهود في الحياة داخل اسرائيل بالبقاء فيها وبالهجرة اليها ليصبح الواقع السكاني يتطلب اقامة اسرائيل الكبرى.

هذا التخطيط الاجرامي الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني جعل مجلس الوزراء الاسرائيلي يعطي اريل شارون رئيس الوزارة وشيمون بيريز وزير الخارجية وبنيامين بن اليعزر وزير الدفاع سلطات مطلقة في استخدام كامل الترسانة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين بدون الرجوع إلى مجلس الوزراء، وبدون الرجوع إلى البرلمان «الكنيست» الذي وافق على قرار مجلس الوزراء باعطاء هؤلاء الثلاثة سلطة مطلقة في استخدام السلاح بكل انواعه وكافة قدراته في ضرب الفلسطينيين، واعلنت داليا اسحاق رابين نائبة وزير الدفاع «ان قرار مجلس الوزراء في اطلاق يد اريل شارون مع وزيري خارجيته ودفاعه في استخدام السلاح هو في حقيقته قرار تاريخي لانه يستهدف اقامة اسرائيل الكبرى التي نتطلع اليها لتكون وطناً قومياً لكل اليهود شعب اللّه المختار فوق ارض الميعاد».

جاء استخدام اسرائيل للطائرات المقاتلة اف 16 الامريكية الصنع يوم الجمعة الماضي ضد مواقع فلسطينية رسمية في رام اللّه، نتيجة لهذا القرار الصادر من مجلس الوزراء، واعلن الناطق الرسمي من مكتب رئيس الوزارة بان استخدام طائرات اف 16، جاء رداً على العملية الانتحارية التي نفذتها حركة حماس في مجمع نتانيا شارون، وخطورة استخدام هذه النوعية من المقاتلات جعلت نائب الرئيس الامريكي ريتشارد «ديك» تشيني يعترض على استخدام هذه المقاتلات الامريكية ضد الشعب الفلسطيني، ويطالب اسرائيل بوقف استخدامها فوراً، وطالب في نفس الوقت الفلسطينيين بوقف العمليات الارهابية فوراً ضد اسرائيل.

لم يأت الموقف الامريكي بهدف حماية الشعب الفلسطيني من خطر هذه المقاتلات الامريكية اف 16 بدليل ان نائب الرئيس ريتشارد تشيني رفض اعلان تدخل امريكا لمنع اسرائيل من استخدام المقاتلات الامريكية اف 16، وسارع إلى توازن موقف بلاده مع اسرائيل بوصف العمل النضالي الفلسطيني المشروع بالارهاب المجرم دولياً وطالب الفلسطينيين بوقف «ارهابهم» ضد الاسرائيليين، وانما جاء موقف نائب الرئيس الامريكي ليغلق ابواب التدخل الاوروبي في الشأن الفلسطيني التي حاول فتحها الرئيس المصري محمد حسني مبارك بدعوة الدول الغربية إلى التدخل لوضع حد للعدوان الاسرائيلي السافر على الشعب الفلسطيني الاعزل الذي وصلت اسرائيل بعدوانها عليه إلى استخدام طائرات اف 16 التي تستخدم فقط في الدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي عليه.

ردت نائبة وزير الدفاع داليا اسحاق رابين على ما جاء من القاهرة وتأثرت به واشنطون لابعاد أوروبا من التدخل في الشؤون الفلسطينية بقولها ان اسرائيل ستواصل استخدام الطائرات الامريكية اف 16 ضد الفلسطينيين الذين يمثلون العدوان الخارجي على الوطن الاسرائيلي الكبير الذي يصبح من حقه المطلق استخدام كل ما عنده من اسلحة ضد هذا العدوان الفلسطيني الارهابي الذي يخلخل الأمن الاسرائيلي ويؤدي غيابه إلى عدم الوصول لصياغة سلمية تقبل بها اسرائيل، وقررت بان هذا الاستخدام للاسلحة بكافة انواعها يكتسب الشرعية من القرار التاريخي الصادر من مجلس الوزراء والمؤيد من البرلمان «الكنيست» الذي يطلق يد رئيس الوزارة في استخدام كل ما عند اسرائيل من اسلحة في سبيل الدفاع عن الوطن اليهودي الكبير اسرائيل الكبرى التي يسكن في جزء منها فلسطينيون غير مرغوب فيهم.

هذا المنطق الغريب يقابله موقف اسرائيلي اغرب يقوده رئيس الوزارة الأسبق بنيامين نتنياهو الذي اخذ يتحرك على المسرح السياسي الاسرائيلي لايجاد قنوات تفاهم بين الاحزاب المختلفة ليتم الاتفاق في ما بينها على ضرورة الاطاحة باريل شارون من سدة الحكم بعد ان تسبب وجوده في السلطة في غياب الأمن وزاد من معدلات الخوف على الحياة بين المواطنين الاسرائيليين، وطالب بالغاء الانتخابات الشعبية المباشرة لرئيس الوزارة والاسراع في انتخابات جديدة للبرلمان تعيد تشكيل الكنيست وتعطي الحزب صاحب الاغلبية رئاسة الوزارة.

يجب ان نكون حذرين مع هذا التيار السياسي الجديد في داخل اسرائيل الذي يقوده بنيامين نتنياهو فهو في حقيقته لا يزيد عن صراع على السلطة في داخل اسرائيل، وان كل من يصل إلى السلطة سيواصل العمل ضد وجود الشعب الفلسطيني على الارض المحتلة في سنة 1967م. لانهم جميعاً يؤمنون بحق اسرائيل في اقامة الوطن القومي اليهودي الكبير على كل ارض الميعاد بعد ان سلموا من العقاب فأسأوا الأدب بالدعم الامريكي المطلق لهم، والصمت الأوروبي عن اعمالهم الخارجة على القانون الدولي العام.

ان من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن هذا الوجود للانسان والارض معاً بالكفاح المتواصل والأعمال الانتحارية دون تفرقة بين القيادة والشعب لان كليهما يستهدف ابادة الشعب الفلسطيني الذي قرر الصمود والكفاح حتى يحقق الانتصار على اسرائيل.