المعلمون

TT

كتب استاذ عراقي جامعي في «الواشنطن بوست» قبل يومين، انه غادر بلاده هربا بسبب حملة مؤكدة ضد المعلمين، أدت حتى الآن الى اغتيال نحو 265 معلما ومعلمة في تعمد وتقصد واضحين. ويقول الكاتب ان الفئات التي تقف خلف عمليات الاغتيال هي السنة والشيعة والبعث، لأنها تلتقي على هدف ابادة المدرسين المستقلين والذين لا ينضوون ضمن منهج ايديولوجي معين، والرقم مرشح للتصاعد.

لا ادري كم مرة كتبت هنا عن ديكتاتورية فيدل كاسترو والغاء الحريات في كوبا واقامة سلالة شيوعية. ولكن أول وأهم ما فعله كاسترو بعد نجاح الثورة هو جعل التعليم إلزاميا. ذهب الى حقول قصب السكر والى المناجم والى الجبال، وقال لشعبه لا يجوز ان يبقى أمي واحد في هذه الجزيرة. والشيء الآخر الذي فرضه وعمل من اجله كان الصحة والطب. وقال لشعبه ما لم نكن أصحاء لا نستطيع ان نكون منتجين.

مجازر العراق ليست في حق المعلمين فقط. لقد فتح الاحتلال ابواب الجحيم امام القتلة من جميع الفئات، والضحايا من جميع الفئات أيضا. لكن هذا العدد المرتفع بين المدرسين يوضح التوافق على تجهيل الناس ومعاداة الأمل المستقبلي الوحيد في أي صراع، وهو العلم. لقد ادرك كاسترو ان صراعه مع الجار الهائل لا يقوم على سهول القصب ولا أوراق التبغ، وان الصغير يستطيع مواجهة الكبير بسلاح واحد، هو العلم. وعندما قامت الكاتبة الاوسترالية جيرمين غرير برحلة الى كوبا قالت انها لاحظت ثلاثة اشياء: فقراء لا يستعطون، وفقراء يتعلمون، وفقراء أصحاء.

نسبة الأمية في العالم العربي تفوق 60%. وكلما ذكرتنا تقارير الأمم المتحدة بهذه الأرقام والنسب نقول ان الصهيونية تحرك واضعي التقارير. وأنا اعتقد ان الصهيونية هي التي تقتل المدرسين وتريد تعميم الجهل والبطالة وقتل الناس كالبرغش. ويقول لي صديق كبير «انك تنتقد ما يجري في العراق وكأن الاحتلال بريء». وقلت له ليس هناك احتلال بريء، ولكن ايضا ليس هناك جريمة مبررة ولا قتل جماعي مفهوم. واذا كان الاحتلال قد اشاع السرقة والفساد والقتل، فأين هي مناعة الشعب العراقي، وكيف يمكن ان نفهم ان مجموعة خطفت بريئا من الشارع من «اجل التدرب على ذبحه قبل خطف رهينة اميركي». كيف يجوز لأي عربي ان يسكت عما يحدث في العراق لمجرد انه تحت الاحتلال؟ وكيف نبرر المغامرة الاميركية الغبية، بقتل الاساتذة والمعلمين؟ وكيف نقبل هذا التناوب على المذابح بين الشيعة والسنة و«المقاومة»، كأن العراق شيء من الماضي لم تعد لنا علاقة به وبأهله وبأطفاله؟