أفغانستان: ميلاد جديد .. رغم كل الدماء

TT

في 13 اكتوبر الماضي، وفي حدث يتحول، بطريقة متزايدة، إلى أمر اعتيادي في أفغانستان، صدم انتحاري من طالبان سيارته المليئة بالمتفجرات قافلة للناتو في وسط مدينة قندهار. وأدى الانفجار إلى مقتل جندي من قوات الناتو بالإضافة إلى ثمانية من المارة الأبرياء الأفغان. وعندما تقع مثل هذه الإحداث، فإن وسائل الإعلام العالمية تبثها، وهو أمر مبرر: فهذه الأعمال الإرهابية هي بدون شك، تستحق النشر. وعندما تنشر وسائل الاعلام مثل هذه الاعمال الفظيعة، تصبح عادة هي القصة الرئيسية عن ذلك البلد في ذلك اليوم. وعندما تقع مثل هذه الأحداث بطريقة متتالية على مدى عدة أيام، يتبلور تصور عام بانفلات زمام العنف، وأن عملية إعادة بناء أفغانستان لم تعد مضمونة...

إلا ان تلك ليست هي الصورة الحقيقية. وفي ما يلي بعض الحقائق الأخرى التي تتطلب وضعها في الاعتبار عندما نتطلع على التغطية الإخبارية القادمة من أفغانستان.

فمما لا شك فيه ان افغانستان عانت من زيادة في العنف بعدما لجأت طالبان الى إرهاب العمليات الانتحارية كوسيلة لتحقيق مطلبهم الفاشل في استعادة السلطة. فما حدث في قندهار في 13 اكتوبر هو مثال متكامل. فقد تمكن انتحاري تابع لطالبان من ضرب قافلة تابعة لقوات الناتو في واحدة من الطرق الرئيسية في المدينة، فقتل جنديا.

وفي شهر رمضان، شهر العبادة والتطهر والتأمل، قام انتحاري من طالبان بقتل ثمانية أبرياء مدنيين أفغان، بعضهم من أصحاب المحلات والبعض الآخر من المتسوقين يمارسون أعمالا تجارية مشروعة. وبالإضافة الى ذلك، اصيب أفغان مدنيين بجروح، من بينهم طفلان. وفي ما يتعلق بالأضرار الهيكلية، فقد تم تدمير ما يقرب من 12 محلا تجاريا. ومن الناحية المادية فقد لحق الضرر بأعمال تجارية أفغانية وحياة ناس داخل المجتمع، الا أن أفظع الأمور هو أن حياة أفغان أبرياء ضاعت: فقدت بعض الأسر آباء وأمهات والبعض الآخر أزواجهن وزوجاتهم وأخوتهم.

وتتكرر مشاهد من هذا النوع بين المدنيين الأفغان بشكل منتظم، وعلى الرغم من معاناة قوات التحالف، فإن المعاناة الكبرى تتأتى من المواطنين الأفغان الذين تسعى طالبان إلى إخضاعهم واضطهادهم بطريقة استبدادية هي ذات طابع إجرامي.

وطبيعي هنا أن يتنامى بغض الشعب الأفغاني مثلما هو حاله مع الهجمات الانتحارية نفسها. وعلى عكس منح شرعية أكبر لطالبان، فإن هذه الهجمات تخدم هدفا عكسيا لطالبان باعتبارها تذكيرا للماضي الدموي الذي يتجنبه الشعب الأفغاني لصالح حاضر ومستقبل يحترم الحرية الفردية والجماعية ويقيم كرامة الإنسان. وحسب استطلاع نظمته غالوب صدرت نتائجه يوم 25 أكتوبر، 2006، اتضح أن 75% من الأفغان يؤمنون بأن الأمور تحسنت منذ سقوط نظام طالبان. إضافة إلى ذلك فإن 53% من المشاركين في الاستطلاع يؤمنون بأن مستوى الأمن أعلى بكثير حاليا مما كان عليه في حكم طالبان. والجانب المتميز في هذا الاستطلاع هو أنه جرى في جنوب أفغانستان حيث ما زالت حركة طالبان موجودة هناك.

وأخيرا، فما يبدو أنه قد سقط، أو لم ينل التغطية المطلوبة، وسط هذه الهجمات البارزة، فهو النتائج التي تحققت للشعب الأفغاني خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ إسقاط نظام طالبان. فعلى الرغم من التهديدات المستمرة بوقوع هجوم ما، أنشأ الشعب الأفغاني شكلا منتخبا من الحكومة وزاد الاقتصاد الأفغاني بثلاثة أضعاف خلال الخمسة أعوام الأخيرة، ومن المتوقع أن يزيد بمعدل 20% خلال السنة المقبلة. وتم تلقيح ما يقرب من 5 ملايين طفل مع بناء ما يقارب من 600 مدرسة. وما بين عامي 2003 و2004 زادت عوائد الحكومة بمقدار 70% حيث بلغت 300 مليون دولار، فيما لم يكن في عام 2001 أكثر من 8% من سكان أفغانستان يتمتعون بالعناية الصحية، ولكن النسبة تبلغ اليوم 80%. وزاد عدد الكتب المطبوعة الخاصة بالمدارس إلى 42 مليون كتاب وتم تدريب ما يقرب من 50 ألف مدرس أفغاني. كذلك يذهب حاليا ما يقرب من 5 ملايين طفل إلى المدارس بزيادة 500% عن عام 2001. وتم بناء آلاف الكيلومترات من الشوارع منذ سقوط طالبان. ومنذ عام 2004 تم بناء 25 مبنى خاصا بالمحاكم المحلية مع تدريب مئات القضاة. أوليست كل هذه شواهد توحي بصورة مغايرة كليا للصورة النمطية التي يحاول البعض ترويجها عن أفغانستان بالوقوف عند أحداث لا يخلو الاختيار لها والنظر اليها من بعض القصور المصحوب بالتحيز.

* مدير العمليات في القيادة

المركزية في افغانستان

(خاص بـ«الشرق الاوسط»)