ما هو الريبورتاج الفائز؟

TT

«يا للحظ.. لقد خسرنا»

كتبت غير مرة عن الصحافي البولوني ريزارد (ريتشارد) كابوشنسكي. وكنت اكتب عنه في هذه الزاوية كلما صدر كتاب جديد له، بالفرنسية او بالإنكليزية. فمنذ كتابه «الامبراطور» عن هيلاسيلاسي، وأنا اتلقف كل ما يكتب فور معرفتي بالأمر. وكان اول من دلني على اعماله، الزميل العزيز وفيق رمضان، الذي ترك اوروبا وبلاد العرب لكي يعيش قرب مكتبة «بارنز اند نوبلز» في واشنطن.

لم يكن صعباً عليّ ان اعتبر ان افضل ما في مختارات «غرانتا» من عالم الريبورتاج، كان لريزارد كابوشنسكي. فالطبعة الثالثة من المختارات تبدأ بما كتبه في تغطية الحرب التي قامت بين جمهوريتي اميركا الوسطى، السلفادور وهندوراس، العام 1969، بسبب مباراة في كرة القدم. ستة آلاف قتيل. مرة اخرى استأذن جنابكم في بعض الاسهاب وبعض التفاصيل. اليكم هذا النوع من فن الصحافة:

تقرر ان يتبارى فريقا البلدين حول حق الاشتراك في دورة كأس العالم 1970 في المكسيك. جرت المباراة الاولى يوم الاحد 8 حزيران 1969 في العاصمة الهندوراسية، تيغوتشيغاليا. لم يكن الامر يهم احداً في هذا العالم. وصل الفريق السلفادوري السبت وامضى ليلته دون نوم في احد فنادق العاصمة. لم يستطع الفريق النوم لأنه تعرض لحرب نفسية شنها مناصرو الفريق الهندوراسي. وفي اليوم التالي هزم فريق هندوراس الفريق السلفادوري الذي لم يعرف النوم، واحد صفر.

كانت اميليا بولانيوس، التي تبلغ الثامنة عشرة، تشاهد المباراة في السلفادور عندما احرز الهداف الهندوراسي روبرتو كاردونا الهدف الرابح في الدقيقة الاخيرة. حملت نفسها وقامت الى المكتب حيث يخبئ والدها مسدسه واطلقت رصاصة في قلبها. وخرجت العاصمة السلفادورية برمتها في جنازة اميليا بولانيوس. وتقدمت الجنازة فرقة من حرس الشرف، سار خلفها رئيس الجمهورية ووزراؤه جميعاً. وخلف الحكومة سار اعضاء الفريق الوطني الذين هزئوا وبصق عليهم وهم عائدون من مطار هندوراس الى السلفادور صباح ذلك اليوم.

بعد اسبوع جرت المباراة التالية في ملعب سان سلفادور. هذه المرة امضى الفريق الهندوراسي ليلة بلا نوم. حطم مناصرو فريق السلفادور نوافذ الفندق ورموا النزلاء بالبيض الفاسد والفئران الميتة. أحاط الجيش والقوات المسلحة بالملعب. وعندما عزف نشيد هندوراس راحت الجموع تصفر وتسخر وتحرق اعلامها. وفي مثل هذه الحال لم يركز لاعبو هندوراس على الكرة بل كان همهم الخروج احياء. ولذلك قال رئيس الفريق وهو يتنفس الصعداء: كم كان حظنا كبيرا. لقد خسرنا. إلا ان حظاً سيئاً واجه مناصري فريق هندوراس. لقد ضربوا واهينوا وطاردهم الغاضبون حتى الحدود. واصيب العشرات منهم. وقتل اثنان. وأحرقت 150 سيارة للزائرين. وأغلقت الحدود».. الى اللقاء