الإعلام حين يضيق على غير السياسة

TT

نظرة سريعة إلى عناوين الصحف أو مقدمات نشرات الأخبار التلفزيونية العربية كافية لإحباط أيّ تطلع أو مسعى لتوسيع آفاق تناول الإعلام العربي لقضايا غير سياسية لا تقل أهمية ودلالة عن السياسة، بمعنى أن تنال القضايا غير السياسية حيزاً مماثلاً من التغطية والاهتمام والمعالجة.

صحيح أن المنطقة أسيرة أزمات وحروب وتعيش حالات من عدم الاستقرار إلى حدّ يجعل السياسة هي العنوان والمحور بشكل يطغى على أي اهتمامات ووقائع أخرى، إلا أن استئثار السياسة بالمساحة الأكبر من الاهتمام الصحافي والإعلامي يحتاج بالتأكيد إلى تدقيق وإعادة نظر بحيث لا تعد مساحات الحياة الأخرى مهمشة وثانوية.

هنا، قد تندرج مبادرات بعض المنظمات والهيئات الأهلية باتجاه وسائل الإعلام العربية المكتوبة والمرئية في خانة محاولة إعادة التوازن ما بين السياسة وقضايا المجتمع الأخرى. فقد شاعت في الآونة الأخيرة مبادرات لمنظمات تعكف على تمويل وتدريب بعض الصحافيين على إعداد مواد صحافية يتم التركيز فيها على قضايا اجتماعية وبيئية وانسانية يتم التعامل معها في الإعلام العربي عادة بصفتها قضايا من درجة ثانية وبالتالي تبدو وكأنها مغيبة. فقد ساهم طغيان السياسة وهيمنتها على تناولات الصحافة والإعلام العربي في جعل قضايا مثل الإيدز ومعضلاته وارتفاع معدلات الانتحار كظاهرة والعنف العائلي وعمالة الأطفال والأمية والمخدرات عناوين ليست في صلب اهتمامات الصحافة العربية، وإن كانت ليس غائبة عنها لكنها بالتأكيد لا تأخذ حيزاً من المعالجة يتناسب مع حجمها، علماً أن هذه القضايا في الغرب هي محور الحياة السياسية وأساسها، إذ ترتكز حملات السياسيين الانتخابية على برامج قائمة على قضايا من هذا النوع. في مصر مثلاً يتم التركيز اليوم على قضية الحجاب بعد تصريحات وزير الثقافة فاروق حسني الأخيرة. وقضية الحجاب عموماً مطروحة بشكل واسع في مصر، وهي على أهميتها لا تقاس بأي حال بحجم ظاهرة العنف الأسري ومدى انتشاره في مصر. إلا أن مقارنة سريعة بين حجم الاهتمام بالقضيتين في الإعلام المصري تظهر غلبة السياسة على ما عداها في معظم وسائل الإعلام العربية، بل إن هذه القضايا متى عولجت يتم تناولها من زاوية السياسة بمعناها المحلي والضيق.

لذلك تبدو محاولات بعض المنظمات أو الهيئات الأهلية الدفع باتجاه اهتمام إعلامي بعناوين اجتماعية, بادرة تحتاج إلى الدعم، فقضايا المجتمعات العربية كثيرة وشائكة وخطيرة وتحتاج إلى اهتمام قد لا يعادل حجم الاهتمام بالسياسة ولكن لا بد أن يقاربها في الأقل.

هذا الموضوع يعيد طرح تساؤل أمامنا، صحافيين وإعلاميين، مرتبط بانجذاب الصحافة العربية إلى السياسة بصفتها العنصر الطاغي والمهيمن على تناولات الصحافة. قد لا تحتوي أنباء الاقتتال الطائفي المجنون في العراق أو احتمالات انزلاق الوضع اللبناني إلى الصدام ومعهما استمرار العنف الاسرائيلي بحق الفلسطينيين على الكثير من الاختيار لكن لا بأس من المحاولة.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام