كانوا بخلاء.. وكانوا ظرفاء أيضا!

TT

أشهر البخلاء في حياتنا الأدبية توفيق الحكيم. سألت طه حسين ان كان الحكيم بخيلا فعلا. قال: لا.. ولكنه يحب ان يتحدث عنه الناس!

وكان توفيق الحكيم يحب ان يتكلم عن بخله هو.. ويضرب لذلك أمثلة كثيرة. فكانت فلوسه وهي قليلة في اصغر جيب في البنطلون أو يضعها في حافظة النظارة. اقسم بعضهم ان الحكيم كان يضع الفلوس في جوربه. ولكني لست على يقين من ذلك. مع انه لا خوف منه ولا خوف عليه. ولم يكن الحكيم غنيا. فأمه هي التي تدير الارض التي تركها والده وهي التي توزع عليه واخوته ما يخرج من الارض وتبيع ثمارها وخصوصا (مخلفات) الحمام والدجاج! وكل واحد من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة عنده حكاية مع توفيق الحكيم. لدرجة انه عندما اقيمت له حفلة بمناسبة عيد ميلاده فبدلا ان نتحدث عن الأديب صاحب المقال البديع والقصة الرشيقة والمسرحية المحبوكة اخذنا الكلام والحديث عن بخل الحكيم. ورأيت ان هذه جلسة وحفلة تافهة فقررت الغاءها وعدم اذاعتها في التليفزيون!

وقالوا ايضا عن استاذنا العقاد ولا اعرف كيف. فلم تكن علاقتنا بالعقاد تسمح بذلك. فنحن نراه كل يوم جمعة. هو المتكلم ونحن المنصتون. وبس. واحيانا نلتقي به في المكتبات. واصدقاؤه المقربون يتناولون الغداء والعشاء معه. ولم يذكر احد انه بخيل. ولا اعرف لو كان العقاد كريما فما الذي يصنعه في جلسة ادبية فلسفية كل اسبوع؟!

وقالوا عن استاذنا طه حسين ايضا. ولا أدعي انني كنت في وضع يسمح لي بالحكم عليه.. او بمثل هذا الحكم. مرة واحدة قال لي: اذا تحدثت في التليفزيون فيجب الا اعطي مبلغا اقل من العقاد. وهذا حقه. وهذا ما حدث. ولا ارى في ذلك لا كرما ولا بخلا. وانما كبرياء وكرامة!

واستاذنا الفيلسوف عبد الرحمن بدوي. قالوا بخيل. واقول ايضا. فهو غني. ولكنه يرتدي بدلة واحدة. وحزاما من الجلد. حزاما واحدا. وكرافتة من جلد الافعى. كرافتة واحدة. واذكر انه دعاني الى الغذاء في حي سيدنا الحسين هو يأكل كثيرا. وانا آكل الصلصة فقط فأنا لا آكل اللحم. ولم يشأ د. بدوي ان يطلب طعاما اخر. فأكتفى بالنظر وانا اكل الخبز والصلصة. وبدلا من ان نركب التاكسي من سيدنا الحسين الى البيت في الجيزة سرنا على الاقدام اكثر من عشرة كيلومترات. هو يقول ان الطعام يجب هضمه قبل ان نصل الى البيت.. طعامه هو يحتاج الى هضم اما طعامي انا فمحتاج الى طعام! واقول ان منصور باشا فهمي كان رجلا بخيلا. فقد تصادف ان جاء استاذ سويسري ليلقي محاضرة موضوعها (ميتافزيقا الموسيقى) .. وكان لابد ان ننقل البيانو من بوفيه الكلية الى احد المدرجات. ولكي ننقل هذا البيانو لابد ان ندفع مبلغا من المال لمن ينقلون البيانو. اما انا فلا اقدر على ذلك ولا زملائي. وكان المبلغ لا يتجاوز العشرين او الثلاثين قرشا. ونحن طلبة صغار والباشا لم يحاول بل راح يناقش ويفاصل. فماذا حدث؟ لقد ألغى المحاضرة!