سير وانكتبت

TT

السعوديون معرفون بتحفظهم الشديد وتغطية جوانب حياتهم الشخصية بطبقات من الحماية والحفظ الكبير، ولذلك حينما يصدر كتابان بحق شخصيتين عامتين من السعوديين سيتلقاهما الجمهور بفضول وشغف. الكتاب الأول صدر مؤخرا باللغة الانجليزية بعنوان «الأمير» وهو سيرة شخصية للأمير بندر بن سلطان كتبها ويليام سمبسون. ولقد جاء الكتاب بمعلومات لافتة وأحيانا مشوقة عن فترات وأحداث مثيرة في المشوار الشخصي والمهني والسياسي للأمير. ولعل سرد معلومات خاصة بشفافية غير تقليدية عن المراحل العمرية المبكرة للأمير (والتي كانت مراحل صعبة وغير تقليدية) تبين كيف أن هذه المرحلة منحته الوسائل والمهارات التي جعلته قادرا على التعامل مع التحديات المختلفة التي واجهها لاحقا في حياته. ولا ينسى الكاتب ذكر مجموعة مهمة من المواقف المحورية التي كان للأمير دور فيها كالأزمة اللبنانية ومساهمته الفاعلة في دعم رفيق الحريري سياسيا لإقناع الفرقاء والفاعلين به، وكذلك العمل التناغمي الذي قام به مع القائد الأفريقي الفذ نيلسون مانديلا في حل مشكلة لوكيربي، وإخراج ليبيا من مأزقها السياسي الطويل. وكذلك صولاته في أروقة صناعة القرار الأمريكي للتعامل مع أحداث مختلفة، لعل أبرزها دوره في التعاطي مع تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولعل خلفيته كطيار مقاتل جعلت نهجه «فرديا» في العمل ولكنه يقدر تماما حجم الدعم والمساندة التي يحتاجها الطيار المقاتل ولكن يبقى القرار الأخير له. الكتاب ممتع ومشوق وسهل القراءة، وفيه جوانب تكشف للمرة الأولى، وإن كنت أعتقد أن هناك الكثير في جعبة الأمير بندر ما لم يطلع عليه أحد ومهم أن يعرفه الناس لكشف جوانب مهمة عن أحداث إقليمية كثيرة.

أما عن الكتاب الثاني فحصلت عليه للتو، وهو سيرة ذاتية لمجاهد إصلاحي سعودي حقيقي، وهو الدكتور محمد الرشيد، الذي بدأ أول خطوات الإصلاح التعليمي الحقيقي. وواجه الدكتور محمد حربا منظمة على أكثر من جبهة قام بها أصحاب العيون الحمراء والحواجب المقطبة والأصوات الغليظة. شككوا في دينه وعقيدته، وفي أخلاقه ووطنيته، ومع ذلك استمر في طرحه الجريء ودوره المسؤول. وقصة الدكتور محمد الرشيد هي قصة السعودية نفسها، وكيف الانتقال من حال إلى آخر. فهو بسرده لطفولته ومراحله الأولى، يظهر للقارئ المساحة الكبرى للتغير والتطور الذي أصاب شخصيته وبالتالي البلاد ككل. وفي كتابه المثير يروي الدكتور محمد الرشيد سلسلة من الوقائع، ويظهر من مجموعة من الوقائع والحقائق تبين لنا النوايا الشريرة لمهاجميه وكذبهم عليه عيانا بيانا. وهاهو اليوم الدكتور محمد الرشيد يزداد وقارا في مجتمعه ويتصدر المجالس أينما كان، وعلى محياه ابتسامة رضا واطمئنان.

الكتابان إصداران لافتان وهما محاولة أكثر من ثرية لقراءة شخصية لوقائع مثيرة في تاريخ السعودية الحافل، والذي آن الأوان أن تزيد محاولات قراءته والإفصاح عن الجوانب التي لم يجر الحديث عنها من قبل لظروف زالت ولأسباب انتهت. السير الذاتية لكبار السعوديين تجربة آن أوانها بعد طول انتظار.

[email protected]