وصفة للعراق: اسمها.. تكبير الكعكة.. وتطمين السنة!

TT

من الواضح منذ البداية انه من أجل ان يستقر العراق في ظل نظام ديمقراطي، لا بد أن تشعر الجماعات الثلاث الرئيسية فيه بأن لديها حصة في المشروع. وبالنسبة للشيعة فإن متعة حكم الأغلبية تشكل حصة كافية. وبالنسبة للأكراد فإن ضمان حكم ذاتي محمي من التدخل من جانب الدول المجاورة التي تضم اكرادا لا بد أن يكون كافيا. والمشكلة منذ البداية هي مشكلة حصة العرب السنة. وكان هذا أمرا متوقعا بالكامل. ذلك انه ما من أقلية اعتادت على الهيمنة على السلطة، يمكن لها أن تتخلى عن هذا الامتياز بسهولة، فالحرمان النسبي يثير ببساطة الكثير من المخاوف. ولا يتعين على المرء سوى النظر الى لبنان القريب كمثال.

ولكن مشكلة اعادة طمأنة السنة لم تحل منذ سقوط صدام حسين. وفي البداية لم تكن حتى على الأجندة. وكما يجري الاعتراف الآن على نطاق واسع، فإن تطهير البيروقراطية (اجتثاث البعث) وحل الجيش قد نفذا من دون التفكير بتأثير ذلك على نمط تفكير السكان السنة، الذي كان مستثمرا على نحو غير متكافئ في كلتا المؤسستين. ولم تحسن العملية الدستورية المعدة بصورة سيئة الأمور ايضا. وكنتيجة لذلك فإن التمرد السني ما يزال يتصاعد ويغذي سباق التسلح لدى الميليشيات الشيعية المختلفة. وفي التحليل الأخير، فإن هزيمة التمرد مسألة تتعلق بالسلطة، ولكن ليس هناك شك كبير من أن هزيمة التمرد يمكن أن تكون اسهل لو أن الجماعة السنية لديها زعامة تشعر بأن لديها حصة في العراق الجديد.

ويمكن لمثل هذه الزعامة أن تظهر بسهولة على اساس اقليمي. لقد صوتت محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين للتحالف السني في انتخابات ديسمبر 2005. ويمكن للأجهزة الحكومية الاقليمية القوية في هذه المناطق ان تروض التمرد السني، وتمثل بصورة أكثر فاعلية المصالح السنية في الرهانات الوطنية. وبينما توجد عوامل كثيرة تفعل فعلها يبدو من الواضح ان العقبة الرئيسية امام مثل هذا التطور هو ارتياب السنة من أن الحل الاقليمي الصرف لأوضاعهم المثيرة للسخط سيجعلهم يواجهون ضغوطا تبعدهم عن حصتهم العادلة من الكعكة الوطنية. وهم قلقون، بشكل خاص، بشأن حصتهم من الايرادات المستقبلية من حقول النفط خارج المنطقة، والتي يمكن أن يأملوا في السيطرة عليها. ويعترف الدستور العراقي بالمشكلة ولكن الفقرة التي يخصصها لها غامضة الى حد ما.

وفي الوقت الحالي يمكن للمرء في مناقشة هادئة وعقلانية، ان يأمل في حل هذه التعقيدات. فمن الممكن تماما ان الاستكشاف المنظم للعراق يمكن أن يؤدي الى وجود احتياطيات نفطية كبيرة في الصحراء الغربية، أي في المنطقة السنية بكلمات أخرى. وفي الوقت نفسه يمكن للمواقف السياسية الاعتيادية ان تؤدي الى حصيلة أكثر عدالة بالنسبة للسنة مما يحتمل ان يقدر لهم، اذا قيض لهم أن يشكلوا تحالفا مع الأقلية الأخرى، وهم الأكراد. واذا ما كان لهم أن يتمتعوا بتفكير منطقي، فبوسع السنة أن يأخذوا على محمل الجد مسألة ان الموارد غالبا ما تكون لعنة، وان ذلك، في المدى البعيد، قد يكون أفضل بدون تلك الموارد.

والوقت ليس مناسبا الآن سواء كان للولايات المتحدة او العراق لإجراء مثل هذه المناقشة. فالحاجة الآن تتركز في تحقيق تقدم يمنع على الأقل خطر اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق، من أجل توفير فترة زمنية تمتد لعقد من الزمن أمام الحكومة العراقية كي تتمكن من ايجاد توازن جديد.

نقترح هنا ان تقدم الولايات المتحدة التزاما ماليا تجاه العراق في صورة تأكيد على حصول المحافظات السنيّة على نصيب من عائدات النفط، يتناسب مع تعداد السكان فيها على مدى السنوات العشر المقبلة. ويجب ان يأخذ هذا الالتزام المالي في البداية تخصيص حصة مساوية لنصيب السنّة مباشرة الى هذه المحافظات. هذا الخطوة ستزيد من حجم العائد الوطني، الذي سيساعد بدوره على إرضاء الشيعة والأكراد، وبما يؤدي ايضا الى خفض التوتر حول كركوك. وفي السنوات اللاحقة سيتحول هذا الالتزام الى سياسة تأمين.

والسؤال هنا: ما هو على وجه التقريب حجم العائدات ذات الصلة بهذا الالتزام؟

يصل الحد الاقصى من انتاج العراق اليومي للنفط 3.7 مليون برميل. هذا هو معدل الانتاج في العام 1979، علما بأن العراق لم ينتج أكثر من 3.5 مليون برميل يوميا منذ عام 1990. كما ليس من المتوقع ان يتجاوز معدل الإنتاج أي من هذه الرقمين في القريب. اذا تناولنا أرقام الانتاج لعام 1979 والربح الذي يقدر بحوالي 50 دولارا للبرميل، فإن ذلك يعني عائدات تقدر بحوالي 67 مليار دولار في العام. ويقدر نصيب المحافظات السنيّة بحوالي 20 في المائة، أي 14 مليار دولار. ويقدر نصيب السنّة اليوم من انتاج مليوني برميل يوميا قرابة 7 مليارات دولار.

مبلغ 14 مليار دولار ربما يبدو كبيرا، حتى بمقاييس ميزانية المساعدات الخارجية، إلا انه لا يعتبر مبلغا كبيرا بمقاييس الإنفاق الاميركي في العراق حاليا، الذي يقدر في الوقت الراهن بحوالي 50 ـ 100 مليار دولار في العام. اذا افترضنا ان هناك خفضا قدره 5 دولارات على برميل النفط الواحد، وإذا اخذنا في الاعتبار واردات الولايات المتحدة من النفط (حوالي 10 ملايين برميل يوميا)، فإن ذلك سيخفض فاتورة واردات النفط الاميركية بمعدل 18 مليار دولار خلال فترة عام.

المقترح الأساسي الذي نود طرحه هنا يتلخص في صفقة رئيسية تتمثل في تأمين السنّة لمحافظاتهم ضد المتمردين، مقابل ضمان نصيب عادل لهم من عائدات النفط. من الواضح ان هناك تفاصيل كثيرة بالغة الأهمية يجب توضيحها.

أما بعض هذه التفاصيل فيمكن حصرها في:

أولا، يجب ان يكون هناك قادة في المحافظات قادرين على استخدام هذه العائدات في اوجه صرف ايجابية.

* ثانيا، يجب ايضا صياغة الالتزام على نحو يشجع بقوة الحكومة الوطنية على التطلع الى الاستمرار في قسمة عادلة لعائدات النفط، حتى بعد انتهاء فترة ضمانة الولايات المتحدة.

ثالثا، يجب حل مشكلة انعدام الثقة بين السنّة والولايات المتحدة، ربما بتدخل من جانب المملكة العربية السعودية.

رابعا، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في المسؤولية تجاه بغداد خلال العمل على تهدئة الأوضاع في المحافظات السنية.

من الواضح ان ثمة مشاكل التي من المحتمل ان تكون لها حلول وربما لا توجد لها حلول، ولكن في سياق الوضع المضطرب الحالي ليس أمام الولايات المتحدة الكثير من الخيارات، ولكن طمأنة السنّة بتأمين نصيب عادل لهم في عائدات نفط العراق، يجب ان يكون واحدا من هذه الخيارات.

* أستاذان جامعيان ومديرا مشروع النفط والطاقة والشرق الأوسط، بمعهد برينستون للدراسات الإقليمية والعالمية.

(خاص بـ «الشرق الاوسط»)