السنيوران

TT

جددت فنزويلا للسنيور هوغو شافيز، وجه اليسار الجديد في اميركا اللاتينية، فيما كان صديقه ومثله الاعلى فيدل كاسترو يغيب لأول مرة عن احتفالات كوبا. ولكن بماذا تحتفل كوبا؟ لقد رفع كاسترو شعار الفقر وثقافة الفقر، فيما يعتمد شافيز على مداخيل النفط لدعم حلفائه في دول المنطقة وايصال مرشحيه الى الرئاسة. وكادت المكسيك نفسها تنتخب حليفه، مما كان يمكن ان يحدث هزة كبرى في الولايات المتحدة، التي تداخلت اراضيها وشعوبها بالدولة المجاورة.

يقدم شافيز، بسبب الثروة النفطية، نموذجاً مختلفاً عن الاشتراكية. فشعبه يدفع ثمن الوقود مثل شعب دولة الامارات. وقد عرض مساعدات «نفطية» حتى على فقراء اميركا نفسها، في سياق معركته مع واشنطن. غير ان كوبا التي يقتديها لا تزال بعد نصف قرن نموذجاً للدول المخفقة. فراتب الطبيب الماهر لا يزيد على 11 دولاراً في الشهر. والكوبيون لا يستطيعون الحصول على البندورة (طماطم) الا ستة اشهر في العام. وراتب السائق الذي يعمل لدى شركة او عائلة اجنبية في هافانا يزيد 20 ضعفاً على راتب اي موظف كوبي مهما ارتفع. ونصف الناس لا يملكون هواتف، ونصف الهواتف لا تعمل الا نصف الوقت. وفي مدينة من مليوني انسان هناك مكان واحد لبيع اللحم البقري (يوميات كوبية، ايزادورا تاتلين).

عندما رأى كريستوفر كولومبوس كوبا هتف قائلا: «لم تقع العين البشرية على اجمل من هذا المشهد في اي مكان». لكن هذه الجزيرة وقعت تحت حكم احد اسوأ الديكتاتوريين وأفسدهم: باتيستا. وقد سلم البلاد للمافيا والاحتكار الاميركي المجاور. وقاد كاسترو حملة تحرير البلاد لكنه قبض عليها ولا يزال يحكمها من سرير النزع الاخير. ولا يزال النظام الشيوعي يطبق في كوبا بعد عقدين على سقوط الاتحاد السوفياتي الذي كان يزود هافانا بـ 3 ملايين دولار من المساعدات كل يوم. ويعاقب انتقاد الحكومة بالسجن 30 عاماً. والحكومة هي الموظَّف الاكبر للناس. وهي وحدها يسمح لها ان تبيعهم اللحم والارز والشاي والسيجار. التجارة محرمة الا بواسطة الرشوة وفي الشاحنات النقالة. ومعظم الثياب الاجنبية تأتي من الهند (5 دولارات للقطعة). السيارات الوحيدة الموجودة في كوبا، اميركية الصنع، وجميعها من الاربعينات والخمسينات. وهناك ايضاً سيارة «لادا» السوفياتية. وبعكس بقية العالم الثالث لا ترتفع صور كاسترو ولا ملصقاته ولا تماثيله. ولا تشير الناس اليه باسمه، بل بالقاب مثل (السيد) و(هو) و(الحصان) و(الطفل). وفي ذكرى الثورة هذه المرة افتقدت كوبا خطابه الذي كان يستغرق احيانا من الصبح الى المساء. ماذا يقول المرء عندما يتحدث من الصبح الى المساء؟ كل عام، طوال 50 عاماً؟ عمَّ يتحدث؟ لا ادري. ربما عن منجزات الثورة.

الوضع مختلف عند السنيور شافيز. هنا الفكر الثوري مرفق بالثروة النفطية. وكما كتبت لكاسترو جميع حقول قصب السكر كتبت لشافيز جميع حقول النفط في مدينة ماراكايبو. لذلك في امكانه ان يوزع المداخيل كما يشاء وحيث يشاء في بلد يحتاج فقراؤه الى اللقمة. لكن شافيز يريد ان يخوض معاركه خارج فنزويلا. انه مزيج من خوان بيرون وكاسترو. وقد كان الاول اكبر واجمل حاكم في القارة لكن سياساته دمرت الارجنتين. وقبض الثاني على «اجمل مشهد وقعت عليه عين بشرية» وهو مسكون بهاجس الانتصار على اميركا، والفقر والفساد، فكان ان اصبح معدل دخل الفرد 10 دولارات اميركية في الشهر.