لبنان: حرب إشاعات ونكات ونشرات إخبارية

TT

انكشف اللبنانيون..

عوراتهم المذهبية والطائفية والعنصرية يتم استحضارها في أسوأ حللها، وهي اليوم أشد قسوة وعنفاً بحيث غالباً ما تتعثر محاولات سترها، إذا كان هناك من يريد سترها فعلا.

الجميع انكفأ يبحث عن أبناء منطقته وجلدته ودينه ومذهبه..

من كانوا يعيشون معاً لسنوات في العمل والحي والمدرسة يتشاركون المشاعر الصادقة أحياناً والتكاذب اللطيف في أحيان أخرى باتوا اليوم يتمركزون خلف سواتر فعلية من المواقف والأفكار وجهها الوحيد هو الانتماء.. أيا كانت هوية هذا الانتماء.

في لبنان اليوم حرب شوارع ومواقف.

حرب دول وأقطاب.

في لبنان اليوم أيضاً حرب شاشات..

يترقب اللبنانيون نشرات الأخبار وهم يختبئون خلف مساند وأغطية.. فما يتم التراشق به من لغة عنيفة بات أفظع من القدرة على تحمله، ومن كان قلبه ضعيفا وليس له قدرة على الاحتمال أو على الشحن والتعبئة أو من كان يشعر أن هويته قد تجاوزت حدود طائفته ومذهبه فعليه إعادة النظر أو مغادرة غرفة الجلوس أو مشاهدة قناة ترفيهية على تلفزيون آخر. أما إذا كان لديه تلفزيون وحيد في المنزل وغيره اتفق على مشاهدة الأخبار فليشح بنظره عن الشاشة، إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.

لكن من يهرب من المنزل كي لا يشاهد حرب القنوات لن يجد في الشارع أو المقهى مهرباً فقد يصطدم بمجموعات متضاربة من المتظاهرين أو المعتصمين الذين يهتفون بشعارات وكلمات تقشعر الأبدان لمدى إسفافها وستصم الأغاني الهابطة والمسماة اليوم وطنية أذنيه كما ستطفئ المواكب السيارة بهتافاتها الرذيلة والمؤذية أي أمل لديه في مستقبل لبنان. وإن تمكن من الهرب حتى من هؤلاء فهل سينجو من الرسائل الهاتفية التي تحمل نكات عن الصدام الأهلي الحالي تبطن في طياتها كماً هائلا من العنصرية والطائفية المقززة!! أم هل سينجو من سيل الرسائل الالكترونية وما تحمله من دعوات وصور ومشاهد لم تتمكن الشاشات على رغم انفلاتها من بثها.

على قدر ما كنا نشعر أن التنوع الإعلامي في لبنان على هناته ميزة على قدر ما يتكشف هذا التنوع عن قدرة مخيفة على شحذ أحط المشاعر الانسانية وأكثرها غرائزية.

الانقسام اللبناني اليوم يستنفر جميع وسائل الاتصال سواء أكانت حديثة أم تقليدية. الجميع يستخدم تقنيات العولمة التي ينقسمون أصلا عليها لكن لا بأس فمواجهة الخصم تستأهل الانحدار والانجراف في هذا المنزلق.

لن يساورنا وهم أن المشكلة هي في التنوع أو الحريات أو تعدد وسائل الاتصال. المشكلة هي أن الإعلام اللبناني هو إعلام أهلي قبل أن يكون إعلاماً وفي لحظة الانقسام ينقلب دوره الإيجابي المفترض ويتحول إلى جزء من الأسلحة المستعملة. لكنه من دون شك أخطر هذه الأسلحة وأكثرها قدرة على تعزيز الانقسام وتغذيته.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام