الأسنان للإعلان

TT

اقترحت على طبيب الاسنان وهو يحفر وينبش باسناني ان يزين سقف عيادته بالصور الجذابة التي تشغل بال المنكوب بخراب الاسنان اثناء طرحه على اريكة المعالجة فيتطلع الى كواكب الفن والسينما، ويمعن النظر بأسنان المطربة مادونا وهي تطل عليه من سقف العيادة فينسى اوجاع ضرسه وضجيج المثقب الكهربائي يعيث بما بقي من عظم. وربما ينصبون شاشة تلفزيونية على طول السقف لشتى افلام الفديو الظريفة. بيد ان طبيب الاسنان استنكر اقتراحي قائلا، انه يتناقض مع قواعد المهنة التي تتطلب من منخور الانياب والاضراس ان ينظر ويدير وجهه حسب اوامر الطبيب وليس حسب هواه هو. ماذا يحدث لو كان المثقب يدور داخل الضرس بسرعة 3000 دورة/ثانية ، ثم يقرر الشخص نقل وجهه نحو عيني مادونا؟

أطباء الاسنان محافظون دائما في آرائهم. هذا ما تفرضه عليهم مهنتهم، المحافظة على الاسنان، وبالتالي المحافظة على دخلهم منها. انها مهنة محافظة. لا يطمئنون لأية أفكار او اقتراحات مثل اقتراحي. هكذا يفوتون فرصة استغلال سقوف عياداتهم.

لهذا ربما يجدر بالحكومات المؤمنة بالتأميم، ان تؤمم سقوف عياداتهم وتستغلها لأغراض الاعلانات التجارية. احسن فرصة لغرض الاعلان التجاري على المستهلك تحين عندما يكون مستلقيا على ظهره، وقد تخدر فكه وطار صوابه. وعلى غرار ذلك، يمكن القول ايضا ان هذه الامكانات تعطي فرصة مؤاتية تماما للأنظمة الشمولية. لقد تعلم الجمهور في ظل هذه الانظمة على تجاهل ما تعلقه الدولة من شعارات وملصقات دعائية. يعلق المسؤولون الكلمات البليغة عن التضحية فداء للزعيم والجود بالروح والدم، ولكن الناس يمرون أمامها وكأنها غير موجودة.

كيف نتغلب على هذا الانسداد النفسي وفرض هذه الشعارات على ضمير الناس؟ نعم. بالضبط ، بتعليقها من سقوف عيادات الاسنان. يكون المواطن عندئذ مستلقيا على ظهره، مستسلما وقد تخدر رأسه ودماغه بالبنج وشد عينيه بالسقف طوال ساعات من الهدم والردم بين فكيه واسنانه. هذه أحسن فرصة لفرض مثل هذه الشعارات الثورية على المواطن المعتلة اسنانه من العيش على الخبز والتمر لا غير.

في هذه الحالة، والدم يتدفق من فمه، والمثقب والكلابات تذيقه الويل والثبور، وكل ضرس من اضراسه يئن بالوجع والعذاب، يستطيع الفرد ان يتقبل أي شيء يلقى امام عينيه، ويعي تمام الوعي ان في الحياة من الويلات والاوجاع ما يجعل سياسة حكومته واقوال زعمائها وبرامج احزابها نعيما حقيقيا بالنسبة له. يخرج من العيادة وقد انصلح عقله مثلما انصلح ضرسه.

كل هذه الامكانات الكامنة في ألوف الامتار المربعة من سقوف عيادات الاسنان هي ضائعة الآن مع الأسف. ولو كنت واحدا من هؤلاء الحكام المستبدين والطائفيين لأمرت فورا بتغطية كل هذه السقوف بتصاويري ولفرضت على كل مواطن مراجعة عيادة الاسنان مرة في الشهر على الأقل. ففي ذلك ضمان لإقناع كل المواطنين بأن في الحياة شيئا اكثر إيلاما من الحكم الطائفي.