ضع نفسك في مكاني

TT

ضع نفسك في مكاني.. فرضية مثالية، فتبادل المواقع قد يسمح بتغيير منظور الرؤية، وبالتالي يمكنك أن تتفهم وجهة نظر الآخر، لأننا من موقعنا قد لا نرى ما يراه الآخر من موقعه.. والإنجليز يقولون: «ضع نفسك في حذائي»، لكن العرب وضعوا في اعتبارهم اختلاف المقاسات فآثروا أن يستبدلوا الحذاء بالمكان فهو أرحب. وبالنسبة لي ما أكثر ما أضع نفسي في أماكن الآخرين:

المرة الأولى: حشرت نفسي في مكان رجل متغطرس من فصيلة الطواويس فغدوت أتحدث من ثقبين صغيرين في الأنف وقد تعطلت في حنجرتي لغة الكلام.

المرة الثانية: حاولت أن أضع نفسي في ثياب ذلك الكاتب الهجاء المسكون بالكراهية، والحق أنني لم أستطع أن أبقى للحظة في ثيابه فبقايا رائحته تزكم الأنوف.. مسكين يقال إنه ابتلع لسانه قبل أيام فأصيب بالتسمم.

المرة الثالثة: وضعت نفسي في موقع الأستاذ الجامعي الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، مع أنه في ساحة الفكر ينطبق عليه المثل الشعبي الشهير: «لا يهاوش ولا يرمي بحجر»، فقررت أن أعرض شهاداتي العليا للبيع فورا في مكان «كل شيء بريال».

المرة الرابعة: وضعت نفسي في موقع ذلك المحسن الذي يحشر الشحاذين والمتسولين والمضطرين أمام بوابة داره كي يتصدق عليهم، فامتلأت نفسي رياء كبالون تمزق بعد لحظات إلى شظايا.

المرة خامسة: وضعت نفسي في موقع حكم إحدى مباريات كرة القدم، وحينما شاهدت أخطائي أدركت أنني لا أميز بين ضربة الجزاء وضربة الشمس، فقررت أن أطلق أربع وأربعين طلقة بائنة على علاقتي بهذه الساحرة المستديرة.

المرة السادسة: وضعت نفسي في مكان الكتاب الذين احترفوا الاستشهاد بالموتى وحدهم، فوجدت نفسي أتحول إلى «حكواتي» أو «أراجوز» يظن أنه يضحك الناس دون أن يدري أنهم يضحكون عليه.

المرة السابعة: قذفت بنفسي في مكان الذين لا يميزون بين الرواية كفن راق جميل وبين الذين تجرأوا على كتابتها تحت وهم أنها مجرد علاقات «تحت الحزام»، فقررت أن أبلل أوراق تلك الروايات لصنع حساء يعالج على إطفاء جنون المراهقة الأولى أو المتأخرة، ومضيت..

وفي المرة الثامنة: قررت أن أكف عن وضع نفسي في مواقع الآخرين، فلقد وجدت صعوبة في نهاية هذا المقال أن ألملم ذاتي التي بعثرتها على مجموعة من الذوات.. فإن سمعت ذات يوم من يقول لك: «ضع نفسك في مكاني»، فلا تهرول نحو ذلك المكان قبل أن تتأكد من وجود بوابة طوارئ لتهرب إلى ذاتك من جديد.

[email protected]