سورية والحسابات الخاطئة

TT

يقول السفير السوري في واشنطن إن الرئيس العراقي جلال طالباني كان يتنقل بجواز سفر سوري حتى قبل أشهر قليلة، وقد قام بتسليمه، والهدف من هذا الحديث هو أن دمشق تريد القول إنها تدعم العراق والعراقيين. ولا أدري ما الجديد في ذلك، فكثير من الساسة العراقيين يتنقلون أيضا بجوازات، بل وهواتف جوالة أميركية؟

مشكلة سورية الدائمة تكمن في الحسابات الخاطئة. فعندما تحدث نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الأسبوع الماضي عن التوتر في العلاقات السعودية ـ السورية عزاها إلى أسباب شخصية، قائلا: نحن عرب نغضب ونهدأ بسرعة! هكذا بكل بساطة، كأن استقرار لبنان ليس إلا رأيا شخصيا، وتحويل سورية إلى دولة معطلة، وممر للإيرانيين، ليس إلا غضبا وتهدأ بعده الأمور!

قال الشرع هذا الكلام على الرغم من أن الجميع يعرف الجهد الذي بذله الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا، لحفظ ماء وجه القيادات السورية في قضية اغتيال الحريري، ونقل التحقيق مع المسؤولين السوريين من بيروت إلى فيينا. كما أنه، أي الملك عبد الله بن عبد العزيز، أصر على عدم المس بالنظام السوري واستقراره، وكتم غضبه من مقتل الحريري، والجميع يعلم العلاقة الشخصية بينهما.

خطأ الحسابات السورية لا يقف هنا، بل ان فاروق الشرع يذكر الخليج كله بوقفة سورية من تحرير الكويت، أيام احتلال نظام صدام لها، ولكن، ذلك يوم، وهذا يوم. فحينها كان رئيس سورية هو الراحل حافظ الأسد الذي كان يجيد استخدام الأوراق، وتوظيف الظروف. وسددت سورية بمشاركة عدد محدود ورمزي من جنودها، فواتير كثيرة، منها تصفية الخصومة مع نظام صدام حسين الذي عادته دمشق أكثر من عشرين عاما، عداوة وصلت إلى حد تدبير الانقلابات بين الطرفين، وأحكمت قبضتها على بيروت، وطردت حينها العماد ميشال عون، صديق وحليف سورية اليوم.

لكن أين سورية اليوم؟ سورية أضاعت ورقة العراق، ولبنان، وفلسطين، وأحرقت ورقة الجولان. سورية كان بإمكانها أن تكون مفتاحا لكثير من العقد، لكنها الآن عقدة من ضمن عقد أخرى، حلها لا يبدأ في سورية ولا ينتهي بها. فدمشق اليوم التي تزهو بتقرير جيمس بيكر، من الواضح أنها لم تقرأه جيدا، فهو يدينها أكثر من انه يصورها كأحد الحلول. وجواز سفر الرئيس العراقي السوري إدانة على قراءات خاطئة أكثر من انه دليل على تعاون, فهي منحت الجواز بيد, وعرقلت العراق بيد أخرى.

وحديث فاروق الشرع الأخير ما هو إلا تجسيد لسورية الحسابات الخاطئة. سورية أكثر بلد عربي يجيد صناعة الخصوم في المنطقة، عربيا بالطبع، من خلال لغة التخوين، وهي تحاول كل جهدها للحديث مع واشنطن، وها هي فرحة بتقرير بيكر، أي أن الاحتلال الأميركي للعراق لم يكن في عين السوريين إلا ورقة يلعب بها، وليس معاداة للاحتلال، خصوصا وأن دمشق كانت الممثل العربي الوحيد في مجلس الأمن يوم صوت بالإجماع، أي الموافقة السورية، على تطبيق الفصل السابع على نظام صدام حسين والعراق، والذي يعني استخدام القوة. وسورية نفسها التي تسعى اليوم للتفاوض مع إسرائيل.

حديث دمشق كله يركز على القومية والعربية والبطولة والعبارات التي مللنا سماعها، لكنها على عكس ذلك للأسف!

[email protected]