خطاب «أبو مازن» المـُنتظر لن يهز العالم.. ولكنه سيكون حاسماً!

TT

حتى يوم بعد غدٍ، السبت، حيث من المفترض والمقرر أن يوجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) خطابه، الذي سيوجهه الى الشعب الفلسطيني والذي بقي يلوح به منذ ان بدأ الحوار بين حركة فتح وحركة حماس حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يدخل النفق المظلم، سيبقى الجدل محتدماً حول ما يمكن ان يتضمنه هذا الخطاب الذي يصفه البعض بأنه سيكون حاسماً وتاريخياً وفي غاية الأهمية.

فماذا سيقول أبو مازن يوم السبت المقبل وماذا سيترتب على هذا الذي سيقوله وماذا سيكون رد فعل حركة حماس التي قام رئيس وزرائها إسماعيل هنية برحلة «جهادية» قادته الى عواصم «فسطاط» الممانعة والمقاومة الدوحة ودمشق وطهران..؟!

هناك من يتوقع أسوأ الاحتمالات لكن من يعرف محمود عباس معرفة أكيدة يدرك منذ الآن، هذا إذا لم يتغير هذا الرجل في اللحظة الأخيرة، أن يوم السبت المقبل لن يكون يوماً سيهتز فيه العالم كله، أو على الأقل قطاع غزة والضفة الغربية، فـ«أبو مازن» ابن صفد التي أعطت عدداً من خيرة الاقتصاديين الفلسطينيين، مشهور بطولة الروح وبعدم إتقان فن المناورات، الذي كان بارعاً فيه أبو عمار، رحمه الله، ولذلك فإن أغلب الظن أنه سيُبقي أبواب الحوار مع حركة حماس مفتوحة، وأنه لن يذهب الى نهاية الشوط، وذلك خوفاً من اندلاع الحرب الأهلية، التي بقي يعتبرها أم المحرمات، وبقي يسير فوق خيط مشدود بحذر شديد ليتجنب اندلاعها في عهده وأثناء رئاسته.

لكن ورغم هذا التقدير الذي يذهب إليه كثيرون، بينما الوقت حتى يوم السبت المقبل بات يمضي بسرعة البرق، فإنه في ظل ما طرأ بعد صدور تقرير بيكر ـ هاملتون، الذي تضمن بالنسبة للقضية الفلسطينية أموراً في غاية الأهمية، فإن الرئيس الفلسطيني لا يستطيع الاستمرار بالمراوحة في ذات المكان الذي بقي يراوح فيه طيلة الشهور التسعة الماضية، فهو الذي كان سباقاً في اكتشاف طريق السلام مع إسرائيل، وهو الأعرف من كل القادة الفلسطينيين بتكوينات الفكر السياسي الإسرائيلي، ولذلك فإنه مضطر تحت إلحاح عدم إضاعة فرصة تاريخية جديدة لإظهار ولو الحد الأدنى من الحزم الذي غدا لا بد منه.

في هذا الخطاب الذي لن يكون بمثابة الأيام العشرة «التي هزت العالم»، سيبقى أبو مازن يمشي مواربة وبحذر، وهو فعلاً، وكما جاء في «الشرق الأوسط» يوم الاثنين الماضي لن يبادر الى الإعلان عن حل حكومة حماس، التي أدار رئيسها إسماعيل هنية ظهره للمفاوضات، ولاذ بالفرار الى الخارج هروباً من استحقاق حكومة الوحدة الوطنية التي غدت قضيتها كقضية إبريق الزيت، وهو أي محمود عباس لن يبادر لا الى حل الحكومة الحالية، ولا الى تشكيل حكومة انتقالية تتولى الأمور الى حين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة جديدة.

سيكون خطاب «أبو مازن»، الذي سيبقى الشعب الفلسطيني يخمِّن بما سيسمعه فيه، في الإطار العام صورة، ولكن غير مطابقة تماماً للورقة التي كانت أعدتها اللجنة السداسية التي قامت بتشكيلها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي ضمت كلاً من ياسر عبد ربه وعزام الأحمد وصائب عريقات وصالح رأفت والدكتور سمير غوشة وحنَّا عميرة.

في هذا الخطاب الذي سيحمل نَفَسَ اللجنة التنفيذية بأعضائها المتواجدين في الداخل سيعلن «أبو مازن» أن المفاوضات مع حركة حماس، وصلت الى طريق مسدود، وسيؤكد أن هذه الحركة هي التي تتحمل مسؤولية فشل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وهو سيقول ان معاناة الشعب الفلسطيني، بسبب الحصار الذي سببته مواقف حكومة إسماعيل هنية، لم تعد تطاق وان القضية الفلسطينية غدت مهددة بسبب الجمود الراهن، بينما العالم كله بات يتحرك، بعد تقرير بيكر ـ هاملتون، تجاه قضية الشرق الأوسط بكل جدية، وبينما لم يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت مناصاً من إظهار المرونة التي أظهرها، وبينما أيضاً ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يحزم حقائبه للتوجه الى هذه المنطقة، باتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ومع رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

لن يعلن أبو مازن في خطاب يوم السبت المقبل حل الحكومة الفلسطينية الحالية، ولكنه سيقول ان هناك فراغاً ناجماً عن الحصار المفروض على هذه الحكومة، بسبب سياساتها ومواقفها غير الواقعية، وأنه لملء هذا الفراغ وكسر الجمود السياسي الراهن، لا بد من إنعاش دور منظمة التحرير ولا بد من تنشيط دوائرها ولا بد من إعادة تشكيل لجنة المفاوضات لتضم كل الفصائل والقوى المقتنعة بعملية السلام وضرورة إستئنافها بسرعة.

سيقول «أبو مازن» ان خيارات الشعب الفلسطيني في ضوء ما هو قائم الآن باتت محدودة وصعبة، وهو سينتهي الى إعلان النتيجة التي مهد لإعلانها بهذا الخطاب المشار إليه: «إنه لم يعد أمامي أي خيار آخر سوى خيار إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة».

وبالطبع فإنه سيلجأ لاحقاً الى تحديد موعد هذه الانتخابات التشريعية والرئاسية بمرسوم رئاسي، وأنه سيلجأ أيضاً، إن هو اُضطر، الى الإعلان عن أجراء استفتاء عام يقول فيه الشعب الفلسطيني رأيه بكل شيء وبكل الخطوات المشار إليها آنفاً التي ينوي اتخاذها.

إن هذا هو التصور العام لما سيقوله «أبو مازن» في خطابه المفترض المقرر يوم السبت المقبل، وهنا فإن كل التوقعات تشير، في ضوء تحركات وتصريحات قادة حركة حماس، ومن بينهم بالطبع رئيس الوزراء إسماعيل هنية، الى ان الأيام القليلة المقبلة ستشهد وضعاً فلسطينياً، سيكون على أقل تقدير مشابهاً للأوضاع المتردية الآن في لبنان، والتي إن هي بقيت تسير بالوتيرة التي تسير فيها فإنها بالتأكيد ستنتهي الى حرب أهلية ستكون حتماً، إن هي اشتعلت، أسوأ من الحرب الأهلية الأخيرة التي اندلعت في منتصف سبعينات القرن الماضي.

لقد بادرت حركة حماس، التي انتقلت نهائياً الى الخندق الإيراني ـ السوري وعلناً وعلى رؤوس الأشهاد، حتى قبل ان تسمع ما سيقوله «أبو مازن» بعد غدٍ السبت الى الإعلان عن أنها ترفض الانتخابات التشريعية الفلسطينية المبكرة، وأن حكومتها برئاسة أسماعيل هنية سوف تستمر حتى نهاية ولاية مدتها «الدستورية» وهي أي حركة حماس قد قالت إن محمود عباس، إن هو تعب وأراد ان يتنحى فعليه ان يتنحى، وأنها عندئذٍ ستخوض معركة الانتخابات الرئاسية وستفوز فيها.

لن تترك حركة حماس محمود عباس، وبخاصة بعد زيارة إسماعيل هنية الأخيرة، التي قادته الى عواصم مثلث «الممانعة والمقاومة»، الدوحة ودمشق وطهران، ان يفعل ما يريد وهي لن تتوانى حتى عن المواجهة العسكرية، إذا شعرت أن مواقعها غدت مهددة، وهذا معناه ان الحرب الأهلية، التي كان يجري الحديث عنها من أجل التخويف وإلزام المتحاورين بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المنشودة، قد تصبح الخيار الذي لا بد منه، وهو خيار إن تم اللجوء إليه، فإنه سيدمِّر كل نضال الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من نصف قرن.

إنها تصورات وتوقعات مرعبة ومخيفة ولكن لا بد من الاعتراف بأن هذه هي الحقيقة، فالمواقف غدت متباعدة جداً وحركة حماس تشعر الآن مثلها مثل حزب الله، أن المحور الذي هي جزء منه قد انتقل الى مواقع الهجوم، وأنه عليها هي أيضاً أن تأخذ وضعية الهجوم، وليحصل ما يحصل، وحتى وإن اضطرت كخطوة أولى الى تحويل قطاع غزة إلى «دوقية» تشبه «دوقية» الشيخ حسن نصرالله وحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية.