العراق: ماذا عن هذا المحور السياسي الجديد؟

TT

في الوقت الذي تتم فيه مراجعات حثيثة لإيجاد استراتيجية جديدة من قبل الإدارة الامريكية للتعاطي مع الشأن العراقي، وهناك تمنيات وتهيؤ إقليمي للدخول في صفقات حول العراق، وأخرى حسنة النوايا تبحث عن حلول ولكن ليس على حسابه، برز توجه لخلق تحالفات سياسية جديدة تخرق تلك القائمة في المشهد السياسي، والتي وإلى الآن وإن لم يثبت فشلها، إلا أنها أثبتت شللها وفقدانها المبادأة وبدت أشبه بالمستسلمة تجاه مسلسل الانحدار التي عجزت حتى عن إيقافه، وهذه التحالفات ربما ينظر إليها بأنها تأتي تساوقاً مع تقرير بيكر ـ هاملتون، أو استجابة للمتغيرات المرتقبة في الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق. فقد أعلن عن تشكيل تحالف يضم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والحزب الإسلامي والتحالف الكردستاني، وهذه القوى هي لا شك الأكبر في المشهد العراقي السياسي، وهي من بين الأثقل في مكوناتها المجتمعية. وهي ليست دعوة ساذجة أو عاطفية لعبور الخنادق الطائفية أو الاثنية، والتي تبرهن اللحظة رغم الحاجة إليها إلى استحالة تحقيقها في ضوء الأدوات السياسية المتوافرة، ولسعة الشرخ المتعمق يومياً بين المكونات العراقية، إلا أن الفكرة ستلامس الواقع إذا أوجدت مشتركات متفقا عليها ووثوقية عالية في دعمها وشجاعة في اتخاذ القرارات الأصعب وتحمل كلف ذلك وقبول خسائر آنية وربما قاسية لمصلحة أمل في إخراج البلد من مأزق بات الجميع مهدداً به.

إذ أن حكومة الوحدة الوطنية التي علقت الآمال عليها، دون إغفال بذور فشلها التي تحملها، حيث عول على الجانب الطيب للفرقاء، وعلى عظم مأساة ومشكلات الوطن، وعلى فداحة المآلات المنتظرة كدوافع تستدعي من الشركاء التصرف بمسؤولية وبروح الفريق، للتغلب على الصعاب التي استلزمت إيجاد مثل هذه الحكومة، إلا أن الذي بدا هو أن ذلك كأن تحليقا عاليا ومحفوفا بالوهم والطلب من الأشياء أن تتنكر لطبيعتها، فإن النظرة إلى مأزق حكومات الوحدة الوطنية في المنطقة ( العراق ولبنان وفلسطين) تلحظ فشلها وإن بتفاوت نوعي، إذ أريد لهذه الحكومات أن تكون بعدة ربابنة يستدلون ببوصلات مختلفة ويقودون باتجاهات متعاكسة، فأن النتيجة ستكون في أحسن الفروض الوقوف والشلل دعك من انشطار السفينة وذهاب من فيها إلى الهاوية.

وتنافر وليس اختلاف الأجندة ينسحب أيضا على من يفترض أنهم القاعدة إلا وسع لدعم الحكومة، أي البرلمان والذي 94% من كتله ممثلة في الحكومة، بل الغريب الذي لا أظن أن له نظيرا في كل حكومات وبرلمانات العالم، أن لا يوجد إجماع حتى ولو على الأقل على خمس أو ست مشتركات تعتبر وطنية، فلو أن هناك إجماعا على مبدأ السيادة مثلا، فأن ذلك يستلزم وقف التدخلات الأجنبية لا أن يرحب بها من جهة وتستصرخ للإنقاذ من الجهة الأخرى، ولو كان هناك اتفاق على حكم القانون لرفض الاحتكام لكل ما عداه ودعمت الحكومة في أن تكون هي وهي وحدها المحتكرة لقوة الإكراه، ولو كان هناك إقرار بنبذ العنف لاستوجب أن لا يكون هناك خطاب سياسي داعم أو مسوغ أو مبرر لجماعات الإرهاب والعنف أيا كان مصدره، بل وصل التناقض داخل الحكومة أن رئيسها الذي ما فتئ منذ أن تسلم السلطة، يطالب بنقل الملف الأمني للعراقيين، في حين أن جهة مهمة في حكومته تطلب من وراء ظهره من الامريكان وتحذرهم من نقل الملف الأمني بمبرر أن الأجهزة الأمنية مخترقة.

لذا برزت دعوة لإيجاد تكتل سياسي على أن يتسع «للراغبين»،

ويتوافق على مشتركات لدعم العملية السياسية والاحتكام إلى الثوابت الديمقراطية، ويتفق على مشتركات وطنية بغية حماية السلم الاجتماعي وصولاً إلى فرز حقيقي للقوى التي لا تريد بناء عراق، وبناء عقد اجتماعي، وتتفاعل وفقاً للدستور وللآليات الديمقراطية، والانتقال من حكومة المكونات التي تستلزم أن يمثل بها الجميع، إلى حكومة أحزاب متفقة ومنفذة لبرنامج، إلا أن هذه الدعوة يلحظ أنها قوبلت بكثير من التوجس والريبة والشك من القوى الأخرى التي ترى أولاً أنها تستبطن استبعاد قوى أساسية هي أصلا جزء من الحكومة والعملية السياسية وتؤمن بها، وثانياً أنها ترى فيها مشروعا لإيجاد حكومة جديدة، وثالثاً ستشكل قوى عدم ممانعة لضربة أمريكية قادمة لقوى العنف على الجهتين السنية والشيعية.

لست في عرض استبعاد أو تأكيد هذه التخوفات، ولكن المخاوف من الفكرة يجب ألا تلغي التوقف عند أصلها والأهداف المعلنة لها، فضلاً عن أنك لا يمكن أن تطلب من السياسيين أن يقفوا مكتوفي الأيدي أو بالتفرج السلبي، والبلد ينزلق إلى سيناريوهات كلها كارثية، أو أن يترك العالم كله يفكر في الحلول والبدائل ونستثني من ذلك ذوو الشأن. وعلى الجانب الآخر فأنه ليس من السياسة توسيع دائرة الخصوم ولا من الإنصاف أن يوضع في كفة واحدة من يؤمن بالعملية السياسية والتغيير، ولكنه يخرج على الحكومة ويربكها وينازعها سلطاتها بممارسته عنفاً غير مقبول، مع من يريد أن يقوض الدولة برمتها ولا يستثني احد بشراً أو حجراً في مشروعه هذا. وبالمقابل، فإن الحكمة تقتضي من التيار الصدري الذي يتداول بأنه مستهدف، ألا يعزل نفسه وألا يستجيب لمحاولات عزله، وعليه أن يساعد الحكومة ولا يتركها محشورة بين قوى الإرهاب الساعية لتقويضها، والامريكان الضاغطين عليها، وأن يكون جزءا من الحل ويكبح جماح الجماعات المنفلتة فيه، ذلك لأن المصادمة معه، وبما يمثل من قاعدة شعبية واسعة، ليس هو الثمن الذي تستحقه جماهيره المسحوقة، ولأن ذلك يشكل أيضا آخر وأخطر ما يمكن للعراق تحمله.