القاهرة تغمر وتعاتب

TT

عندما يكتب الصحافي عن نفسه يبدو في أحسن الأحوال وأضمن الحالات مهرجا. وانا أعد الآن كتابا بعنوان «مترحل في صحافة العرب» لا يرد ذكري فيه إلا كمؤلف. او صاحب توقيع على حوالي 400 صفحة، او يزيد. ولست أتحاشى الحديث عن النفس من قبيل التواضع الكاذب، بل من قبيل حماية النفس. وانا اشعر بامتنان مطلق لمسؤول البريد في «الشرق الاوسط» باعتباره حارسي الاول. فهو من اصل كل مائة رسالة واردة إليَّ على الانترنت لا ينشر أيا منها. ولذلك كلفت زميلا في بيروت أن يطبع لي ما يرد، لأنه لا يزال بيني وبين استخدام الانترنت عصر أو دهر. سوف أغامر بالخروج على هذا الالتزام، معتذرا سلفا من مسؤول البريد في «الشرق الاوسط»، فقط من قبيل الاضطرار الطارئ. فقد غمرتني القاهرة حتى أحرجتني. وأحرجني الطلاب السعوديون فيها. وأحرجني الزملاء. وقد اعطيت من المقابلات ما استطعت. ثم اعتذرت عن كل كلام. وقلت لمعدة برنامج تلفزيوني، اخشى ان ابدو مثل مسحوق غسيل أو معجون أسنان، أو كأنني مفوض الدعاية في الحزب الشيوعي السوفيتي.

لكن ليس كل من اتصل من الزملاء كان يريد لي امتداحا. وقد اتصل بي زميل من مكتب «الحياة» في الرياض، وهو على ما يبدو خارجا من «خناقة» مع مدير المكتب، او مع زوجته. وبدا من لهجته ان «الخناقة» ما زالت قائمة. وأراد ان يعرف لماذا كتبت عن الاستاذ جمال مبارك ما كتبت، وكيف أرشحه لرئاسة الجمهورية. وقلت للزميل الفاضل، ان الافضل، لكلينا، ان يعيد قراءة المقال. وكما هو مكتوب لا كما قرأه، او كما طاب له ان يقرأه. لكنه عاد يشدد لاهثا على ما يريد قوله. وأطول حوار اجريته خلال الزيارة كان مع الزميلة رانيا بدوي من «المصري اليوم». وسألتني إن كنت اعرف جمال مبارك شخصيا. وقلت لها «لا يا ستي ما حصلش الشرف». وسألتني إن كنت قابلت الرئيس مبارك. وقلت لها «تقاليد الرئاسة تقضي ان يقابل الرئيس رؤساء التحرير. اذن، لماذا أويد مبارك في كتاباتي. وتكرر السؤال. وفي النهاية قلت لها: «اذا كنت تريدين مني الحصول على نقد للرجل، فالأمر صعب. انا لا اقول ان مصر بلد نموذجي ودولة مثالية وازدهار مثير. كل ما اريد قوله ان عبد الناصر اخذ مصر الى اقصى اليسار وان انور السادات اخذها الى اقصى اليمين. وحسني مبارك اعادها الى حيث يجب ان تكون. الأول اخذها الى اقصى الانقباض والثاني اخذها الى اقصى الانفتاح. والرئيس مبارك حاول اعادتها الى التوازن. والأول سجن اهل اليسار واهل اليمين والثاني سجن جميع المعارضين، ومبارك اكثر حاكم مصري يعطي هذا القدر من الحريات. ثم انني يا عزيزتي لا اصنع الانتخابات في مصر. انا انسان لي موقفي ومشاعري ورؤيتي. وبين الطلاب الذين يدخلون الى الجامعة منقبين على طريقة محرري العراق ومنقذيه، وبين دعوة جمال مبارك الى الازدهار والحرية والعمران، خياري واضح. وبين هذا النوع من الطلاب وبين مصر التي كان وزير التربية فيها طه حسين، انا يا ستي مع مصر». واعتذر تكرارا من الزميل في مكتب «الحياة» في الرياض.

الى اللقاء