المطلوب التبضع وليس البضاعة

TT

القاعدة الاقتصادية للصناعة، هي الا يتوقف المعمل عن الانتاج. غالبا ما تستمر المعامل في العمل ليلا ونهارا، نوبة بعد نوبة، بدون أي توقف. يعتمد ذلك طبعا على وجود زبائن يطلبون البضاعة. وإلا فما الفائدة من انتاجها؟ كان الأمر سهلا في المراحل الاولى من الثورة الصناعية. كانت المعامل تنتج بضائع اساسية مطلوبة كالملابس والأدوات المنزلية ووسائل الراحة والمتعة. سرعان ما اكتفى الناس بما عندهم. اشترت كل اسرة جهاز تلفزيون، وانتهى الطلب. اقدم الصناعيون عندئذ على انتاج بضاعة محسنة، تلفزيون ملون فأغروا الناس على رمي الجهاز الأسود/ ابيض في الزبالة واشتروا الجهاز الملون. حصل اكتفاء هنا ايضا بعد بضع سنوات. عاد الصناعي مرة أخرى الى انتاج جهاز اكثر تقدما، تلفزيون ملون وعريض وستريو. وتكررت العملية حتى حصل اشباع تام. وصل تحسين الأجهزة درجة من التعقيد والكلفة العالية والافراط في الكمالية، بحيث لم يعد الناس راغبين في شراء الأجهزة الجديدة.

انتبه اليهود الى هذه المشكلة منذ البداية فركزوا نشاطهم على انتاج البضائع الاستهلاكية كالملابس ثم المأكولات. الانسان لا يستطيع ان يقضي حياته بنفس المعطف او يأكل نفس الكعكة. هكذا نجدهم يسيطرون على أسواق الملابس. اكثر سراويل الجينز انتشارا هي سراويل ليفي. في مقابل ذلك، وامام الاكتفاء العام، اضطر الرأسماليون الآخرون الى خلق الرغبة في الشراء بابتداع الموضات. تلفزيون عريض بدلا من العمودي، وتلفزيون شاشة وتلفزيون بلون ابيض، وهلم جرا. اصبحت ست البيت تخجل من استعمال نفس الموديل الخشبي القديم امام ضيوفها.

لكن الصناعة الرأسمالية استطاعت الآن ان تطور اسلوبا جديدا في غاية الإتقان والبراعة، في خلق الرغبة في الشراء بغض النظر عن البضاعة او الحاجة اليها. استطاعوا ان يحولوا التبضع والتسوق الى متعة قائمة بذاتها. انطبق ذلك بصورة خاصة على النساء. ترى المرأة الشرقية تأتي من الكويت او القاهرة او بيروت الى لندن أو باريس، لمجرد ان تقضي بضعة ايام في التجول في الأسواق والتبضع منها. لا تراها تمتع نفسها بزيارة المتاحف أو المسارح أو السينما او البلاجات والمصائف. تفعل شيئا واحدا هو التجول في المخازن والشراء ثم الشراء. ينطبق نفس الشيء على كل نساء العالم المتمكنات ماليا. سألوا قبل بضعة أيام إحدى حسناوات لندن عن طموحاتها في الحياة، فقالت أن اتزوج أحد نجوم كرة القدم وأقضي بقية حياتي أتبضع!

هكذا أوصلت الرأسمالية فكرة شراء البضائع الى قمة الاستهلاكية. فهذه الحسناء المدللة، لا تقوم بأي شيء في اليوم، سوى الخروج للأسواق والتفرج على بضائعها والعودة محملة بالبضائع التي لا تحتاج اليها ولا تستعملها. ربما تلبس الفستان مرة واحدة وترمي به في الزبالة. وهو شيء أصبح معتادا بين الموسرات. تحول ابراز البطاقة الائتمانية وشراء شيء، أي شيء، بها متعة قائمة بذاتها. كل ذلك وملايين الاطفال في العالم الثالث يتضورون ويموتون جوعا. إنها خرق للعدالة وتدمير للبيئة وتبديد للثروات التي منّ بها الله تعالى على العالم.