بألف خير

TT

حجم المساحة التكفيرية المتشنجة لا يزال بألف خير في الدول العربية من العالم الاسلامي. فها هي المجاميع الإرهابية المتطرفة يتم القبض عليها في السعودية بأعداد هائلة، ويتم الكشف في نفس الوقت تقريبا عن خلايا متطرفة كانت تخطط للقيام بأعمال مدمرة في مصر، وكذلك الأمر في سوريا التي لا تزال الأجهزة الأمنية تلاحق شراذم الإرهاب الذي خرج الى العلن، وطبعا هناك الجزائر التي عادت اليها حركات الجماعات الارهابية، وعادت حملاتها البغيضة بالقتل والترهيب، مع عدم اغفال المسرح الأكبر للارهاب اليوم الموجود في العراق، والتي وقعت حكومة رئيس الوزراء هناك في «مطب» خطير حين أصدرت مذكرة ايقاف بحق حارث الضاري بتهمة «الارهاب» متناسية ومتجاهلة الإرهاب الموجود في الطرف الثاني برموزه الدينية المتمثلة في مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم ومليشياتهم التي تلوثت هي الأخرى بالدماء. فالإرهاب لا دين له ولا ملة له ولا مذهب له ولا طائفة له. الحرب القائمة في العراق جاءت لتوضح بالدليل الدامغ أن العالم الاسلامي لا يزال أسيرا للأساطير المضللة، والفتاوى الظلامية، والكتب الصفراء محدودة الفهم، وهذا النتاج هو الذي تغلغل في المناهج التعليمية والنظم القضائية، ومنابر الاعلام الدينية، وبات ما يقدم في كل ذلك هو الوجبة المسمومة، التي تغذت عليها العقول سنوات طويلة. لسنوات وبعض الدول العربية، تحاول جاهدة القيام بمراجعات في مجالات الخطاب الديني، ومع أهمية هذه المراجعات، إلا أنها من الواضح لا تزال خجولة ومضطربة وسطحية، ولا تتعرض «للعمق» المطلوب بشكل كاف، حتى تتخذ القرارات المؤلمة والقوية التي من شأنها أن تأتي بالتغيير الصحيح الذي سيستشعر نتاجه الكثير.

ماليزيا تلك الدولة الاسلامية بامتياز، تحتفل في العام القادم 2007 بمرور خمسين عاماعلى استقلاها، وكذلك تركيا تستعد هي الأخرى لدخول مفاوضات الانضمام للسوق الاوروبية المشتركة، ولعل النموذجين الاسلاميين المقدمين فيهما، وصلا الى درجة عالية من الفهم والتطبيق والتركيز على الجوانب الايجابية، وباتا وكأنهما يقدمان نموذجا مغايرا تماما للمفهوم نفسه في البلاد العربية من العالم الاسلامي. قضايا عجيبة لا يزال العرب «مغرزين» فيها من دون إمكانية الحراك. تعمل المرأة أم لا تعمل؟ تكشف وجهها أم لا؟ تنتخب أم لا؟ نسلم على من يخالفنا في ديننا أم لا؟ نضمر لهم الحقد والكراهية في القلوب أم لا؟ نتزوج ممن يختلفون معنا في الانساب أم لا؟ وغيرها من المسائل الجدلية السخيفة، التي تغطى جميعا بقالب ديني مناسب. ماليزيا وتركيا فيهما مذاهب وأطياف وأديان وأعراق، ولكن لا نرى حجم العبث الحاصل في لبنان والعراق وغيرهما من الدول، لأنهما تمكنتا من وضع أنظمة محترمة تسري على الجميع وبشكل قابل للتطوير والتقييم، وهما بالمناسبة ليستا أقل إسلاما من غيرهما من الدول. التشنج والتعصب والتكفير لا يزال موجودا وبألف خير، ومن دون مواجهته بالقرارات المؤلمة والشجاعة سيبقى الحل ناقصا.

[email protected]