سائق تاكسي

TT

ليس لي موقف نهائي من عمل المرأة. ماذا يحق لها ان تعمل وأي اعمال محظورة عليها. ولا انا ادري على وجه الضبط اين تبدأ الضوابط الرئيسية واين تبدأ الضوابط والقوانين الاجتماعية. وقد شاهدت امس في القاهرة سيدة محجبة تقود سيارة تاكسي. وسألت السائق الجدع الذي انا في سيارته عن رأيه في الأمر، ولم يكن له رأي. واصررت. وقلت له، هل هذه السيدة تعيل أطفالا لا معيل لهم؟ هل تهتم بأم عجوز وأب مقعد؟ إن هذه المرأة لا تتحدى او تخالف نصا روحيا. انها تخالف فقط قانون الطبيعة. فهي مخلوق ضعيف التكوين ولذلك يخضع لقانونين: القانون الذي وضعه الرجل والقانون الذي وضعته الطبيعة، عندما فرقت بين حملة الأثقال وحملة الأبناء. لذلك سهل عليها الخروج من قانون الرجل الى بعض المهن السهلة، كالكتابة.

شاهدت السيدة تقود سيارة تاكسي في غابة سيارات التاكسي في الوقت الذي كانت فيه القاهرة تغلي في نقاش حول فاطمة اليوسف، مؤسسة «روز اليوسف»، المجلة والجريدة. فبعد عقود على وفاتها أصدر «الاخوان» فتوى بتكفيرها. واتهمت اول صحافية بتاريخ مصر انها كانت داعرة. ولا اعتقد ان هذا ما كانته فاطمة اليوسف.

كانت فاطمة اليوسف خرقا مذهلا لقانون الرجل ومجتمع الذكور. فتاة يتيمة من لبنان هاجرت مع عائلة تبنتها إلى مصر وأصبحت سيدة من سيدات المسرح. ثم تركت المسرح وخاضت غمار الصحافة وغمار الحرب ضد مصطفى النحاس. وضد الدولة. وحاول النحاس ان يحاربها ماديا فباعت ما تملك لكي تدفع رواتب الموظفين والكتاب. وكان بينهم العقاد. ولا يمكن لسيدة من هذا الوزن السياسي والاجتماعي ان تكون مجرد «داعرة»، وقد اصبحت جزءا من تاريخ مصر وتاريخ نهضتها وصحافتها.

في حين كان مكتوبا لها في قانون الرجل ان تبقى شغالة في منزل أو أن تخرج وتبحث عن رغيفها تحت أقدام الرجال. لكنها خرجت الى مهنة الفكر والعقل والعمل الوطني. وبسبب نجاحها عمل لديها كبار الكتاب وخافها كبار السياسيين، ودخلت كسيدة محترمة ومهيبة أعلى القصور. وتزوجت من خيرة الرجال. وأنجبت أحد ألمع المصريين. وحفيدها أحد اشهر «الاخوان».

تعودنا في التاريخ أن تتعرض الأقليات للاضطهاد، أيضا بسبب قانون الرجل وقانون الطبيعة معا. ولكن المرأة ليست «أقلية» في مجتمع الذكور، خصوصا في المجتمعات التي تذهب الى الحرب، اذ تتحول الى أرملة منسية، وتتربع في الساحات لكي تبيع بقايا اثاث المنزل او شيئا من الفول او الحبوب. او تعمل في الحقول الاعمال الشاقة. أو تنبذ من اهلها واخوتها.

ما الحل اذن؟ ليس هناك حل. ربما الى مدى حياة البشرية. سوف تظل المرأة مخلوقا مثيرا للجدل حتى عندما تضطرها الحياة الى قيادة سيارة في بحر تاكسيات القاهرة. او حتى عندما تكون يتيمة من لبنان أصبحت سيدة الصحافة الاولى في مصر.