خطوة أبعد من مقعد واحد في الكونغرس

TT

لم يكن السناتور جيمس جيفوردز حتى الايام القليلة السابقة اسما معروفا على نطاق واسع. بل ان قلة من متابعي السياسة خارج واشنطن كانوا يعرفون ان جيفوردز شيخ جمهوري محترم في ولايته الصغيرة فيرمونت. اما الآن فقد ضمن جيفوردز دخول التاريخ من اوسع ابوابه بفضل تغييره مجرى السياسة الاميركية على مدى السنوات الأربع المقبلة. فبإعلانه ترك صفوف الحزب الجمهوري ليصبح مستقلا، ساهم جيفوردز في وضع مقاليد السيطرة على مجلس الشيوخ في يد الحزب الديمقراطي، بعدما كان الحزبان يتقاسمان المقاعد المائة في المجلس مناصفة (50/ 50)، مما ترك لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الصوت المرجح. غير ان خطوة جيفوردز تعني اكثر من ذلك. فبعدما نزل عدد شيوخ الحزب الجمهوري بالمجلس الى 49، سيتحول السناتور الديمقراطي الليبرالي البارز توم داشيل الى شخصية وطنية نافذة بحكم رئاسته للكتلة الديمقراطية التي بات لديها الاغلبية في المجلس، بعدما كان هذا النفوذ للجمهوري المحافظ ترنت لوت، زعيم ما صار الاقلية الجمهورية. كما اصبح بوسع الحزب الديمقراطي، وهنا النقطة الاهم، اختيار رؤساء اللجان البرلمانية وإعداد جداول الاعمال التشريعية. وهكذا سيصبح البرنامج التشريعي للرئيس الحالي جورج بوش مهدداً بنكسات موجعة. صحيح ان مقترحات بوش الخاصة بخفض الضرائب تجاوزت مجلس الشيوخ ولم يعد هناك خطر عليها، ولكن بعض المقترحات ومشاريع القوانين الاخرى لن تجد الطريق امامها معبداً، بل سيكون بمقدور الديمقراطيين نسفها ان ارادوا ذلك. وبينها خطط بوش الخاصة بالسماح بالتنقيب عن النفط في ألاسكا، وسعي بوش لتطبيق خطط لتعديل نظام الضمان الاجتماعي وتحويل المزيد من السلطات من المركز ـ اي واشنطن ـ الى الولايات. ومن المحتمل ايضا ان تضيع كذلك، أو تخضع لتعديلات تتجاوز النيات الاساسية، خطط اعادة صياغة النظام التعليمي في الولايات المتحدة.

ان انشقاق جيفوردز وهجره الحزب الجمهوري مفصل مهم يشير الى خطر جدي يواجه إدارة بوش المحافظة. وهو يتمثل بإخفاقها في استيعاب سياسي معتدل مثل جيفوردز، ومن ثم استفزازه من خلال تصرفات سخيفة كتجاهل دعوته للغداء في البيت الابيض. كما يشكل انشقاق جيفوردز تحذيراً حول حول حجم الضرر الذي يمكن ان يتسبب فيه غرور السلطة حتى داخل الحكومات الافضل تنظيماً.

وتبقى نقطة مهمة جداً تستوجب البحث، هي ان النظام الحزبي الاميركي في اجواء التنافر الواضح المعالم بين التيارين الليبرالي والمحافظ، وبين الشمال والجنوب، وبين كتل الضغط المتصارعة، معرض لأن يشهد مزيداً من حالات الانشقاق كحالة جيفوردز الليبرالي الشمالي الذي وجد نفسه طائراً يغرّد خارج سربه، داخل حزب يميل اكثر فأكثر نحو القاعدة المحافظة في ولايات الجنوب والجنوب الغربي. والواقع ان داخل الحزبين شخصيات عدة لا تنسجم مع التوجهات المسيطرة على الحزب. ففي الحزب الديمقراطي شيوخ محافظون، مثل زيل ميلر وجون برو، سينسجمون مع أنفسهم اكثر داخل الحزب الجمهوري. وفي الحزب الجمهوري شيوخ ليبراليون امثال لنكولن تشافي واوليمبيا سنو وسوزان كولينز قد يرتاحون اكثر اذا التحقوا بصفوف الديمقراطيين. ولكن يخشى ان تؤدي عمليات «إعادة الفرز» الانشقاقية الى شل السياسة الاميركية على اعلى المستويات وفي عدة مجالات.. وهذا بالتأكيد أمر لا يبعث على التفاؤل.