مجلس الشورى السعودي: تحديات قادمة أم رهان جديد

TT

ثمة نزعة في الخطاب العربي الراهن (منـظوراً إليه اجتماعياً وسياسياً وثقافياً) تكرس معاني ومصطلحات جذابة، لا تلبث ان ترددها الألسنة والعقول، لا سيما في الآونة الأخيرة.

على ان الشفافية والمكاشفة والموضوعية، لا تكمن الاثارة في مضامينها بقدر ما يتمخض عنها من نتائج وقرارات تحقق شيئاً من المأمول أو تغير الراهن ـ على أقل تقدير. فالمراد من الكلمة (اي معناها) هو الوصول الى الغاية التي وضعت الكلمة من اجلها، لا مجرد الكلمة لاجل الكلمة (الاسهاب، الانشاء..الخ) بل طرحها لاجل النتيجة المطلوبة (الغاية، الهدف، القصد)، وهو ما يسمى بمنهج «الغائية»، وهو منهج فلسفي ينزع الى هذا المنحى، وهو ليس مثار نقاشنا هنا على اي حال.

والسعودية، كدولة، مثلها مثل غيرها، تعيش تحولات داخلية ـ كما اشرت في مقالات سابقة ـ وتتأثر بالمتغيرات الدولية، الا انها استطاعت الى حد كبير تحقيق معادلة متوازنة رغم واقع المعطيات وظروف العصر وتصاعد وتيرة التحولات، التي بالتأكيد تعيق مثل هذه النجاحات، اعني بهذا التمسك بـ«الثوابت» والانفتاح على الجديد ضمن اطار الخصوصية السعودية ـ ان جاز التعبير ـ ولعل الفكر الاجتماعي وتلك الفلسفة السياسية، يعطيان الخصوصية تلك الفرادة التي ما زالت في نظر البعض لغزاً يستحق التأمل والدراسة.

بيد انه بتحليلها معرفياً وسوسيولوجيا، يمكن الوصول الى فك طلاسمها، وفضح السر لتمسك السعوديين بهذا النهج منذ نشأة دولتهم على يد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود.

ان نجاح مشروع عبد العزيز السياسي، يكمن في النهوض على مفاهيم واقعية، ولذلك لاقى النجاح آنذاك، فتطبيق الشريعة الاسلامية ونقل البيئة البدوية الى مجتمع مدني (بشكل متدرج ومتأن) ومن ثم الشروع في مأسسة الدولة دونما خروج عن الاطار العام، هو في حقيقته تكريس لمفهوم المعادلة المشار اليها آنفاً.

وكان من الطبيعي ان تنضج التجربة السعودية لتجسد استقراراً سياسياً وامنياً مقبولاً في ظل معطيات وتحولات غير مستقرة. ومما يلفت النظر هو محاولة تجاوز السعودية لمفهوم «التنمية» كتخطيط، للانتقال الى مرحلة مهمة (من المفترض الوصول اليها ضمن السياق التاريخي لأي مجتمع) واعني بهذا مرحلة «الاقننة»، اي تحويل هذا الفكر الاجتماعي، ونهج فلسفة السياسية الى قوانين وانظمة ذات نغمة عصرية، تستمد نبراسها وخطوطها العريضة من مبادئ الشريعة الاسلامية، فلا تتقاطع معها، بل تتناغم مع ما حولها ضمن فكرة «المزاوجة». وبنظرة براجماتية نجد ان السعوديين معنيون اليوم اكثر من اي وقت مضى بوقفة تأملية جادة كفيلة بكشف الاخطاء ومعالجة العيوب. لكن هذا لا يعني عدم وجود صعوبات ومحاذير ذات جذور اجتماعية، وهي حالة موجودة في اغلب المجتمعات وان كانت بأشكال مختلفة وبفئات ذات ايديولوجيا مغايرة، الا ان الغاية واحدة، الا وهي اعاقة البناء من النمو، وشرخ الكيان الداخلي لأهداف ـ في نهاية المطاف ـ ذاتوية ليست لها صلة بالصالح العام.

وبالعودة الى ما يحدث في السعودية، لا سيما في شأنها الداخلي، نلمح ان الامر الملكي بتكوين مجلس الشورى في دورته الجديدة من رئيس ومائة وعشرين عضواً، اي بزيادة ثلاثين عضواً عن المجلس السابق، روعي فيه الاخذ في الاعتبار مسائل متعددة جديرة بالتحليل والتأمل، تتمثل في الانتماء المناطقي والقبلي والتوجه المذهبي بالاضافة الى الكفاءة وتنوعها العلمي والمهني، مما يعني اثراء للطروحات والنقاشات بين جدران المجلس، ورغبة جادة في تعزيز دور المجلس الذي ما زال يتعرض لانتقاد حول دوره الفاعل ضمن النظام المؤسسي للدولة.

على اي حال، المرحلة القادمة لا ريب في انها حرجة، وتتطلب نوعاً من التحديث والمرونة والجرأة في تناول قضايا مهمة تتعلق بالشأن المحلي، والانسان السعودي تحديداً، اي ان المجلس ان اراد ان يكون فاعلاً ومنتجاً، فعليه النزول الى ملامسة قضايا الشارع السعودي، ومحاولة تشريحها وعرضها لأصحاب القرار. ان المرحلة القادمة، تعني في ما تعني رهاناً جديداً على نجاح الخصوصية السعودية، ولعل في تلك المفردات من مكاشفة وشفافية وغيرهما، متى ما استخدمت بشكل جاد، فإنه لا ثمة قلق من الفشل في المستقبل، ولذا فإن العبء يظل على عاتق مجلس الشورى (أو اي برلمان كان)، لان دور البرلمانات هو سن القوانين، والاشتغال على العمل للصالح العام والاقتراب من نبض المواطن، وايصاله الى المعنيين، ومن ثم معالجة ذلك الخلل بأنظمة وقوانين تراعي الموازنة بين الفردي والعام.

ثمة قضايا مهمة تنتظر المجلس الجديد، ويتطلع الكثيرون الى ادراجها ضمن اولوياته، ولعل اهمها انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية، ومطالبة الحكومة بالخروج من الاستثمار، في قطاعات الانتاج المختلفة، بالاضافة الى الامتلاك والادارة، وتفعيل «التخصيص». كما ان «التعليم» وقضاياه المتعددة لا بد من مراجعته بشكل جاد وحيوي، فالبطالة سببها تعليم تقليدي متواضع، والنقطة الاخيرة ولعلها الاهم ترتبط بتكوين انظمة تساعد على تحقيق مجتمع مدني افضل، وهذا يقتضي ترسيخ مفاهيم كبيرة تستند إلى المواطنة الحقيقية، فالولاء للوطن وليس للقبيلة، وان يصار الى اصلاحات سياسية وثقافية، حتى تكرس الوحدة الوطنية، ونخرج الى العالم اكثر ثباتاً على ارض الحياة.