انتقدت إسرائيل فهددني اليهود بالقتل

TT

عندما تلقيت سلسلة من التهديدات بالقتل في الاسابيع الاخيرة، ردا على موقفي دفاعا عن ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، تذكرت درسا من الستينات: اذا كان ابناء شعبك يرتكبون اعمالا وحشية في الخارج، فمن المؤكد ان القسوة والكراهية ستنعكس على الداخل ايضا.

وورد في احدى رسائل التهديد التي وصلت الي: «ايها اليساري شبه الانسان، يجب القضاء على جميع الحيوانات». وكانت الرسالة بعنوان «الموت الموت»! وذكرت رسالة اخرى: «سيأتي شخص لقتلك. فلتتعفن في جهنم»! هذا امر عادي اذا كنت تنتقد السياسة الاسرائيلية. لكني غيرت موقفي عندما اشار موقع على الانترنت الي باعتباري «واحدا من ثلاثة يهود اميركيين يكرهون ذواتهم». والشخصان الآخران هما نعوم تشومسكي العالم اللغوي ومعه وودي آلن المخرج السينمائي. ووصفني الموقع بأنني «خائن للشعب اليهودي». ثم نشر عنوان مسكني بالاضافة الى كيفية الوصول اليه. وفي تلك اللحظة اتصلت رابطة مكافحة التشهير بمكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي).

لقد ارتفع مناخ العداء نحو المنشقين في العالم اليهودي الى مستويات جديدة من الاساءات الشفهية. وتجدر الاشارة الى ان «تيخون» المجلة التي أترأس تحريرها (المطبوعة اليهودية الوحيدة التي توزع على المستوى القومي) التي تتحدى الاحتلال وتحث على حل المستوطنات في الضفة الغربية وتصر على اعتراف اسرائيل ببعض المسؤولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين.

وكما كنا في حركة معارضة حرب فيتنام في الستينات نعتبر معارضتنا منطلقة من اعلى قيم الديمقراطية الاميركية، فإننا في حركة السلام اليهودية نصمم على ان القيم اليهودية هي التي تدفعنا الى الاقتناع بأن الله خلق جميع البشر متساوين وان الوحشية التي تمارس ضد الفلسطينيين، مأساة مماثلة للوحشية التي يمارسها الارهابيون الفلسطينون ضد الاسرائيليين.

مثل هذا التوازن الاخلاقي هو الذي يستفز بعض اليهود، الذين يصرون على انه «لا توجد معاناة مثل معاناتنا»، وان معاناة الماضي تبرر عدم الحساسية تجاه الشعب الفلسطيني. والعديد من اليهود ليسوا على استعداد للاعتراف بأن اسرائيل هي جانب الصراع الوحيد الذي يمتلك قوات مسلحة، وان ضحايا الفلسطينيين اكثر عشر مرات من ضحايا الجانب الاسرائيلي، وان الفلسطينيين هذه المرة هم الذين يعزلون في منطقة صغيرة ويحرمون من الحصول على الطعام والتعليم والرعاية الصحية. ويبدو من السهل للغاية لوم الضحايا والشعور بالغضب من الرسل الذين يثيرون اعتراضات اخلاقية جادة على السلوك الاسرائيلي.

وقد بدأ المنطق غير الانساني الذي يستخدم ضد الفلسطينيين نفسه في الظهور ضد اليهود المناصرين للسلام. لقد نسوا ان ابني خدم في الجيش الاسرائيلي، وانني مؤيد لاسرائيل او انني حاخام معبد يهودي تجديدي في سان فرانسيسكو. ولكن بالنسبة لليهود اليمينيين المتطرفين، فأنا لست سوى «يهودي يكره ذاته».

في الشهور التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين ظهرت اتهامات مماثلة ضده. ففي اسرائيل مثل هذه التهم مخالفة للقانون، لأن الناس اصبحوا على قناعة كم من السهل ان تتحول لغة كراهية الى عنف. ولكن حتى اذا لم تتحول الى عنف فإن مثل هذه اللغة تخيف العديد من الناس وتجعلهم يشعرون بالتردد في التعبير عن آرائهم. ان مجلتنا فقدت عددا من المشتركين والمتبرعين بعدما خشي الناس من الارتباط مع صوت يتحدث بصراحة في هذه الموضوعات.

وعندما يسألني الناس عن رد الفعل لمثل هذه المواقف يوجد ردّان لدي: الاول الطريقة المثلى لمواجهة الكراهية هي نشر مزيد من الحب في العالم. فالكارهون هم في النهاية اناس مصابون بجراح حادة، وافضل طريقة للتعامل مع هذه الجراح هو عن طريق العواطف وليس عن طريق الكراهية. وثانيا تحدث بصراحة عن هذه التساؤلات. فالعديد من غير اليهود يخشون التعبير عن انتقادات مشروعة لاسرائيل، اعتقادا منهم انها ستفسر كعداء للسامية.

لقد طلبت في الماضي من الفلسطينيين ادانة العنف والسير في طريق مارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي. وقد حان الوقت الآن لمطالبة اليهود بالشيء نفسه.. ليس فقط تجاه الفلسطينيين، ولكن تجاه اليهود ايضا.

* مؤلف كتاب «التجديد اليهودي: الطريق الى الشفاء والتغيير التام» ـ خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»