خاف عرفات من القتل فتردد في قول «نعم» لتسوية تاريخية

TT

تقرير لجنة ميتشل حول العنف الاسرائيلي ـ الفلسطيني، والذي طال انتظاره، نشر يوم الاثنين الماضي، وبدا النقاش مباشرة حول كيفية التعامل معه. لدي اقتراح في هذا الشأن: اجمع كل تقارير ميتشل وكوّن منها كومة ضخمة وأشعل فيها النار! ولا شك ان ذلك سيولد قدرا من الطاقة يساهم بصورة متواضعة في دفع خطة بوش حول الطاقة الى الأمام! ولا نشك في ان جورج ميتشل، رجل خبير، كما ان حجته المركزية في تقريره هي حجة صحيحة بأضيق معاني هذه الكلمة:

إذا شئت ان توقف الانحدار الاسرائيلي ـ الفلسطيني الحالي نحو الهاوية، فعليك ان تنهي أولا كل مظاهر العنف، ثم تشرع في اجراءات بناء الثقة، بما في ذلك تجميد المستوطنات واتخاذ اجراءات أمنية من قبل الفلسطينيين.

ما آخذه على تقرير ميتشل هو تجاهله الجوهري للأسباب التي دفعتنا الى الهاوية، وللمخرج الحقيقي من هذا الوضع، والسبب في ذلك لم يكن المستوطنات الاسرائيلية.

اقامة المستوطنات دلالة على الحمق، واستمرارها وتوسعها عمل مشين من أعمال القهر الكولونيالي، وسيلقى المصير المحتوم لكل الاعمال الاستعمارية في التاريخ، وما عجزُ القادة الاميركيين اليهود، والحكومات الاميركية، عن الوقوف في وجه اقامة المستوطنات وتوسعها ـ وهو أمر ضروري لمصلحة اسرائيل نفسها ـ سوى وصمة تغطي وجوههم جميعا، ولكن المستوطنات ليست هي المشكلة الحقيقية.

المشكلة الحقيقية هي ان السيد ياسر عرفات لا يستطيع ان يقول «نعم».

فالرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء ايهود باراك، وضعا على الطاولة أمام السيد عرفات، مساومة تاريخية، تعطي الفلسطينيين 94 الى 96% من الضفة الغربية وغزة ـ بعد ازالة كل المستوطنات، وتعطيهم كل القدس الشرقية تقريبا، وحق العودة لعدد رمزي من اللاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل، وإما حق العودة الى الضفة الغربية وغزة لكل الآخرين أو تعويضهم جميعاً.

لم يكتف السيد عرفات بالرفض، بل أعرض حتى عن القول بأن «هذا لا يكفي، ولكنه أكثر الاقتراحات جدية وشمولا يعرض على الفلسطينيين. والآن، أود ان أدخل في حوار مع الشعب الاسرائيلي وحكومته لأحصل على 100%، مما أريد». لكنه لم يفعل ذلك، بل دشن انتفاضته البلهاء وقد فعل ذلك لأنه جبان سياسيا ومناور. ولأنه لم يتخل عن هدفه القديم بتدمير اسرائيل، ولأنه كان خائفا ان يُقتل اذا أخذ 99%، فقط لأنه ترك على المائدة 1%! لم يكن راغبا في أي لحظة من اللحظات ان يقول لشعبه انه حقق لهم أغلب مطالبهم، وان الآوان قد حان لانهاء معاناة وشقاء أكبر عدد من الفلسطينيين والتحرك نحو مستقبل بقلب مفتوح.

هذه هي الحقيقة التي كان على لجنة ميتشل ان تقولها للعالم وللفلسطينيين. كان هناك قائد اسرائيلي، واغلبية اسرائيلية ضئيلة، تسمح بمساومة تاريخية عادلة، ولكن لم يكن هناك معادل فلسطيني. واذا لم يكن هناك شريك فلسطيني، وقائد فلسطيني، ليبرم اتفاقا تاريخيا على غرار ما اقترحه كلينتون، فإن وقف اطلاق النار لن يصمد ابدا.

أفضل مؤلف عن السيرة الذاتية لأرييل شارون عنوانه «هذا الذي لا يتوقف عند الاشارة الحمراء». أما السيرة الذاتية لياسر عرفات فيجب ان تكون بعنوان «الذي لا يتحرك عند الاشارة الخضراء».

والآن، انتُخب المستر شارون كنوع من رد الفعل على فشل كامب ديفيد، وهو يحاول ضرب عرفات حتى الاستسلام. ولكن هذا لن يجدي ولن يحقق شيئا. فعرفات يخشى ان يقول «عمِّي» لشارون كما كان يخشى ان يقول «نعم» للمستر كلينتون. انه يخشى الاغتيال.

ليس ثمة قنابل يمكن ان تجبر الفلسطينيين على الاستسلام ـ هذا ما توضحه مائة سنة من التاريخ الفلسطيني.

ولكن المشكلة الحقيقية هي ان الفلسطينيين بلا قيادة حاليا. وهذا ما يتوجب على الولايات المتحدة والأمم المتحدة والعالم العربي ان يواجهوه.

كلهم يعرفون ذلك في أعماقهم، ويعترفون به لبعضهم بعضا. فليس ثمة قائد فلسطيني حاليا يستطيع ان يقول «نعم» لمساومة تاريخية عادلة ـ وما لم يلجأ القادة العرب الى تقوية عرفات وشد أزره لقبول المساومة العظمى، أو الى خلق الظروف التي تؤدي الى بروز قيادة جديدة، فإن هذا الحريق سيستمر في الاشتعال.

* كاتب اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»