العدالة والسياسة في محاكمة سعد الدين

TT

ماذا حدث بسبب اعلان الحكم القضائي ضد سعد الدين ابراهيم؟ قامت ضجة حقيقية في اوساط الاعلام في كل مكان. فهل الضجة هذه مهمة؟ المسألة في رأيي من جانبين، الأول قضائي حيث ان التحاكم امام هيئة محكمة مفتوحة ليس مسألة شخصية يحسب فيها الحساب لما تكتبه الصحف ويقوله اهل الرأي، فبعد ان نطق القاضي بحكمه واعتبر المتهم مذنبا اصبح الحكم فصلا من التاريخ، والمتهم من المساجين. اما الجانب الثاني فهو سياسي بحت حيث ان للقضية جانبا سياسيا بطبيعة التهم الموجهة لسعد الدين وبسبب ردود الفعل عليها عالميا. وعندما اقول عالميا اعني ذلك، بدليل ان صحفا كبيرة في دول مهمة اخذت مواقف متماثلة ضد الحكم بشكل لم نعرف ردة فعل مثلها حيال مساجيننا من قبل، وهم كثر في العالم العربي. والخطأ في ظني ليس في الحكم، لأن القاضي حكم وفقا لحيثيات القضية، بل الخطأ هو في احالة قضية سعد الدين برمتها الى المحكمة مهما كانت قناعة المدعي العام والحكومة بأن الرجل مذنب من رأسه الى اخمص قدميه. سياسيا يمكن التغاضي عن «الجرائم السياسية». وقد يستنكر البعض بأنه ليس عدلا ان يسجن سارق تفاحة ويطلق سراح متهم بجريمة ضد دولة. ورأيي انه عدل تماما، فسارق التفاحة قضيته اعظم لأن صاحب الحق شخص آخر، لكن يمكن العفو عن مذنب في حق الدولة، خاصة ان الحكومة هي طرف في الخلاف وحامية القضاء ومنفذة للعدالة. والخطايا السياسية تحديدا مهما عظمت، تبقى خصومة مع الدولة يجوز حسابها حسابا سياسيا. فاذا كانت الحكومة تريد بمقاضاته حماية مصالح الدولة، فان الحكم عليه قد يتسبب في اضرار اعظم. ها هو الحكم بسجن سعد الدين ابراهيم نزل هدية من السماء على بعض الاطراف التي ارادت استخدامه. «الواشنطن بوست»، وهي صحيفة معتبرة ومؤثرة جدا، كتبت كلاما قاسيا عنونته بأن الحكم هو لطمة (لواشنطن) من القاهرة، بلغت فيه حد المطالبة بهدم اسس العلاقة بين البلدين السياسية والمالية.

وقد يقول البعض، بلا مبالاة، ما المشكلة سواء ان يحبس مثقف او ان تنتقد حبسه جهات اجنبية، فهو امر مألوف في منطقتنا اي الحبس والاعتراض؟ رأيي أن الدول لا تتساوى والزعامات لا تتشابه. فمصر ليست بورما ولا العراق. ايضا من الانصاف ان نقر بأن حكم الرئيس حسني مبارك هو اكثر العهود السياسية في تاريخ الجمهورية انفتاحا وتسامحا حيال التعبير والنقد. لهذه الاسباب نشعر ان قرار المحاكمة أضر بالصحة السياسية، فهي محاكمة عقدت في نفس الساحات التي تفاخر بالحرية الثقافية والسياسية، مما جعل المنظر مثيرا للإشكال اكثر من بقية الدول التي يتوقع منها عدالة اقل. وفي رأيي اننا سنظل نختلف على معاني العدالة طالما اننا نختلف على تصنيف الجريمة. لكن لن يكون صعبا ان نتحسس المخاطر السياسية التي تلدها مثل هذه الاحداث خاصة بالنسبة لبلدان تنشد النمو ولديها مشاريع طموحة سياسية واجتماعية واقتصادية.