هدنة هنية التي صعقت فتح (2 ـ2)

TT

قول حماس، على لسان مهندس الهدنة المقترحة مع إسرائيل، أحمد يوسف، إنها أفكار أوروبية تحت المراجعة، في حين تؤكد إسرائيل أنها مشروع مقدم من حماس، سبقته هدنة قصيرة قدمتها حماس أيضا لوقف الهجمات بين الجانبين. وأحمد يوسف نفسه أقر بأن الهدنة كفكرة سبق أن طرحها مؤسس الحركة، ومرشدها الروحي الراحل الشيخ احمد ياسين. ومن الواضح أن حماس صاحبة الطبخة سواء سمتها أفكارا أوروبية أو فكرة الشيخ ياسين.

الغريب أن الاحتجاجات ضدها لم تأت من الجناح المتشدد داخل حماس، بل من فتح ومن رئيس السلطة محمود عباس. وهنا ليسمح لنا أن نقول له انه يخطئ عندما تثيره الغيرة فيهاجم حماس ويسفه من عرضها بقوله إنها خدعت الشعب الفلسطيني، وتنتقص من حقوقه. ففيها إعادة للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني والتي يُفتَرض أن تكون واجبا أسمى من أن يُختلف عليه. وإذا كانت حماس، بحكم موقعها، تريد أن تقدم مشروعا للسلام أو تتبناه، فمن واجبه أن يدعمها، لا أن يخونّها، وهو الذي جاء من منظمة وقعت اتفاق اوسلو وقبلت بخارطة الطريق.

ولا ننكر أن ما فعلته حماس يثير الدهشة ويمثل خطوة مهمة جدا. ومن صالح فتح والسلطة الفلسطينية أن تكون حماس طرفاً في أي مشروع سلام، لأنها تمثل الحد الأقصى في التشدد والرفض.

وسواء سمتها حماس هدنة أو سلاما، فان فيها أسسا لاستعادة الحقوق الفلسطينية قابلة لتحويلها إلى مشروع متكامل يفي بما نصت عليه المبادرة العربية. وأهميتها أنها تنير الطريق وتحرك الأوضاع التي تراجعت كثيرا بسبب تيار الرفض الذي استأجرته القوى الإقليمية فأفسدت مشروع اوسلو وخارطة الطريق التي كانت تسير نحو تحرير الضفة الغربية وغزة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية مع حل عادل لوضع اللاجئين. انه الحل الحلم لأكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون أوضاعا غير آدمية.

حماس كطرف فلسطيني تعامل مع الحقائق على الأرض، وعرف الآن لعبة القوة، ورأى صعوبات الحكم، وضرورات الاستجابة لمطالب المواطن الفلسطيني في الداخل بحاجة لأن يقدم مشروعا تحريريا عسكريا كان أو سياسيا. حماس تعرف أن الخيار العسكري غير عملي والسياسي حان وقته. لكن إن وجد ما ينسف كل هذه الرؤية البراغماتية في عقل حركة مؤدلجة، فستكون هي المزايدات داخلها. حماس لا تقل رغبة من فتح في التعامل مع إسرائيل لأنها تدرك ان التفاوض هو مع الأعداء. وتدرك أن الظروف الإقليمية والدولية، وحتى الداخلية، لن تستمر في منحها المزيد من الوقت وتتركها في الحكم، لأنه لا يمكن لحماس أن تكون معا في آن واحد، حركة عسكرية مقاتلة وحكومة مدنية، وقد حان الوقت لتختار. ومع أن كل ما نراه يؤكد أن حماس متورطة في الرفض أكثر مما هي مستعدة للمهادنة، إلا أن هناك أملا بان تقبل تحمل مسؤوليتها الكبيرة، وتتخلى عن المزايدات السياسية. ولو فعلت لغيرت وجه العمل السياسي العربي كله، لا الفلسطيني وحده.

[email protected]