إليسون والقسم على القرآن: مبدأ الحريات الدينية في أمريكا

TT

أثار عزم العضو الديمقراطي (أول نائب أمريكي مسلم)، المنتخب حديثا لعضوية مجلس النواب الأمريكي كيث إليسون، أداء القسم على القرآن وليس الإنجيل خلال الاحتفال الخاص بتنصيبه عضوا في مجلس النواب المقرر إجراؤه الشهر المقبل، أثار حفيظة بعض المحافظين ومنهم النائب الجمهوري فيرجيل غود الذي قال في رسالة للناخبين: «أخاف من أنه في القرن القادم، سيكون عندنا المزيد من المسلمين في الولايات المتحدة، إذا نحن لم نتبن سياسات هجرة صارمة التي أعتقد أنها ضرورية للإبقاء على القيم والاعتقادات التقليديِة للولايات المتحدة الأمريكية.. واذا لم يستدرك المواطنون الأميركيون الوضع ولا يؤيدون موقف فيرجيل غود حول الهجرة، سيزداد عدد المسلمين المنتخبين الذين سيطالبون باستخدام القرآن».

مراسم أداء القسم لعضوية الكونجرس باستخدام أحد الكتب الدينية، هي مراسم أو احتفالات غير رسمية، تأتي على هامش الاحتفال الرسمي بأعضاء الكونجرس الجدد والتي تتم بدون استعمال أي نص ديني على خلاف الاحتفالات الخاصة. وليس في القانون أو الأنظمة الأمريكية ما ينص على أداء القسم على كتاب مقدس بعينه عند أداء المنتخبين الجدد اليمين، وليس هناك ما يمنع من أداء القسم على كتاب غير الإنجيل. فإن من الشواهد والسوابق ما يؤيد حق النائب المسلم الجديد في أدائه للقسم على القرآن.

فقبل سنوات قليلة ماضية، رفضت عضو مجلس النواب اليهودية ديبي شولتز، أداء القسم على الإنجيل (بشقيه العهد القديم والعهد الجديد)، واختارت القسم على كتاب العهد القديم، وقامت مجموعة الشاباد اليهودية بتوزيع التوراة العبرية على المشرعين اليهود في الكونجرس، وهم يخططون لعمل ذلك ثانية قبل تأدية المشرعين اليهود في الكونجرس للقسم ثانية في العام المقبل. ومن قبل، استخدم الرئيس الأمريكي السابق لندن جونسون كتاب طقوسي كاثوليكي، وليس الإنجيل، ليؤدي به اليمين لفترة رئاسته الأولى. بل إنه في عام 1962 قام قاضي المحكمة العليا الأمريكية آرثر جولدبيرغ باستعمال التوراة العبرية المعروفة باسم (تاناخ) في 1962 أثناء حفل إدائه اليمين كقاض للمحكمة العليا، ولم يعترض على ذلك أحد، ولا حتى قضاة المحكمة العليا الأمريكية أنفسهم. كما أن ليندا لينجل حاكمة هاواي، وحاكمة فيرمونت مادلين كونن، والعشرات من أعضاء الكونجرس الأمريكي اليهود، بمن فيهم السيناتور المعروف ليبرمان، استخدموا التوراة عند أداء القسم.

فممارسة هذا الحق هو أمر طبيعي جدا، لأن الشخص لا يقسم على شيء لا يؤمن به. فقسمه على الكتاب الذى يؤمن به هو أكثر مصداقية بالتزامه وولائه للدستور، حيث تنص الفقرة الثالثة من المادة السادسة من الدستور الأمريكي بأن: «يكون الشيوخ والنواب.. وأعضاء المجالس التشريعية لمختلف الولايات، وجميع الموظفين التنفيذيين والقضائيين التابعين للولايات المتحدة ولمختلف الولايات، ملزمين بموجب قسم أو إقرار بتأييد هذا الدستور. ولكن لا يجوز أبدا اشتراط امتحان ديني كمؤهل لتولي أي منصب رسمي أو مسؤولية عامة في الولايات المتحدة». فقد نص الدستور على أن الولاء الأساسي هو للدستور الأمريكي الذي كفل في التعديل الأول من وثيقة الحقوق «حرية الدين»... وأن «لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته».

والجدير بالذكر أن استخدام القرآن في أداء اليمين كان محل جدل في السابق. فقد أثار طلب الشهود المسلمين استخدام القرآن في المحاكم الأمريكية نزاعا قضائيا. فقد قام قاض بمحكمة مقاطعة جلفورد في ولاية كارولاينا الشمالية في سبتمبرمن عام 2005 برفض السماح لشهود مسلمين أن يؤدوا اليمين على القرآن، معللا قراره بأن دستور الولاية ينص على أن القسم يجب أن يؤدى على «كتب مقدسة» والتي فسرها القاضي بأنها «كتب الإنجيل». وقد ردت المحكمة العليا في الولاية في ديسمبر من نفس العام الدعوى المرفوعة من قبل اتحاد المدافعين عن الحريات المدنية الأمريكي في كارولاينا الشمالية ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، بدعوى عدم وجود محلا للنزاع لأن الشاهد المسلم يمكن أن يحلف بأن يقول الصدق ولا شيء غير الصدق من دون الحاجة لوضع يده على أي كتاب مقدس. وهذه سابقة القانونية ليست في محل النزاع ولا يمكن أن تحكم المراسم أو الاحتفالات غير الرسمية لأداء القسم لعضوية الكونجرس. بل إن كاتب العدل في ولاية كارولاينا الشمالية، يعتمد على نظام مكتوب لأداء اليمين ينص على أن «أي شخص يأخذ قَسما يجِب أن يضع يد واحدة على الكتب المقدسة. هذا الكتاب يتغير اعتمادا على معتقدات الشخص الدينية: المسيحيون: يجِب أن يستعملوا العهد الجديد أَو التوراة؛ اليهود: التوراة أو العهد القديم؛ المسلمون: القرآن؛ الهنودس: الباكافاد جيتا...الخ».

وقد استنكر بعض أعضاء الكونجرس الديموقراطيين تصريحات النائب الجمهوري فيرجيل غود، ووصفوا تصريحاته بالعدائية، وأنها رسالة خاطئة موجهة للمسلمين في أمريكا وتثير شعور الكراهية والأحقاد ضد المسلمين. ثم ما علاقة كيث إليسون بقضايا الهجرة في أمريكا وهو أمريكي اعتنق الإسلام شابا أثناء دراسته الجامعية وتعود أصوله وجذورعائلته في أمريكا إلى ما قبل استقلال أميريكا. إن مثل هذه التصريحات تثير التساؤلات عن مدى صدق نداءات احترام الحريات الدينية في أمريكا، ومدى تقبل الأمريكيين لانخراط المسلمين في الحياة السياسية الأمريكية. فقد تلقى إليسون منذ فوزه بالانتخابات مكالمات هاتفية ورسائل بريد إلكتروني عدائية مع بعض الرسائل والتهديدات بالقتل. كما ان بعض المتشددين في الإعلام الأمريكي استغل مثل هذه التصريحات لإثارة شعور الكراهية للمسلمين في المجتمع الأمريكي.

فالمسلمون في أمريكا لا يهددون القيم والمعتقدات التقليدة الأمريكية، وإنما يضيفون إليها ويعملون للحفاظ على أمن هذا البلد واستقراره، وليس في ممارسة النائب إليسون لحقه أي تقويض أو إضعاف لأي من القيم التي تقوم عليها الحضارة الأمريكية. إن الواجب على كبار المسؤولين في الحزب الجمهوري شجب مثل هذه التصريحات ومطالبة النائب الجمهوري بالاعتذار عن تصريحاته. فالسكوت عن مثل هذه التصريحات يثير عدة تساؤلات عن مدى جدية المسؤولين الأمريكين في رفع شعار التسامح وحرية الأديان. كما يجب على الجالية الإسلامية التصدي لمثل هذه التصريحات تبني برامج من شأنها تعريف المواطن الأمريكي بالصورة المشرقة للإسلام، والترويج لصورة إيجابية عن المسلمين.

* باحث ببرنامج دراسات الجزيرة العربية والخليج بجامعة فرجينيا