لا أحد سواها

TT

إذا كانت الأنظمة العربية قد اخفقت فإن المفاوضات العربية لم تثبت ابداً انها صاحبة اعاجيب. الحقيقة ان المعارضة العربية اثبتت انها بلا مشروع وبلا حس جماعي وترفض أي مشروع احتضاني عام. حتى صدام حسين ترك فسحة للمظاهر الشكلية. تدبر لفترة غير قصيرة ان يكون رجلا مثل سعدون حمادي رئيساً لـ «مجلس النواب». حاول استرضاء بعض العشائر المعترضة بدل ارسالها جميعاً إلى الاعدام والسجون.

ماذا فعلت المعارضة حيث نجحت؟

ارادت حماس إلغاء تاريخ فتح، وكل قانون اقره البرلمان السابق. وعثرت «المحاكم» في الصومال على حل واحد، هو الزحف على جميع المناوئين وإلغاء كل ما بقي من اسس ومؤسسات الدولة المتهاوية. وانصرف نواب «الأخوان» في مصر والكويت الى حصر المجاهدة في قضيتي روبي ونانسي عجرم. وعندما دعت البحرين الى انتخابات عامة قال رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، وهو أحد أكثر المسؤولين العرب صراحة ومباشرة: «التزوير ليس من عاداتنا ولا من أخلاقنا». وفي اليوم التالي فازت المعارضة. وكان أول ما فعلته المعارضة انها قاطعت حفل افتتاح البرلمان.

وفي لبنان، حيث تملك المعارضة من حرية القول ما لا تملكه معارضة اخرى في العالم، ولها الكفة الراجحة في الصحف والاذاعات والتلفزيونات، ابى المعارضون إلا ان يحتلوا وسط البلد ويشلوا حياته السياسية والاقتصادية ويعرضوا سلامه كله لأصغر عود ثقاب. وتركت المعارضة مقاعد المواجهة في قلب الحكومة من أجل ان تعتصم في الشارع، واغلقت أبواب البرلمان وفتحت ابواب الخيم. وبدل ان تطالب بإسقاط الحكومة من خلال البرلمان تريد إسقاطها في الشارع، وتملك حماس في فلسطين الاكثرية البرلمانية والحكومية ولكنها اختارت ايضاً ان تفتح لنفسها ساحة تنزل إليها وتعبئها بالناس على الطريقة البيروتية. وانتقلت العدوى الى ساحات عشق آباد حيث خرجت تركمانستان كلها تودع الرئيس الأب والشاعر الخالد وصاحب التمثال الذهبي الذي فاق كل ما عرف من تماثيل وأضرحة وبلاطات رخامية مستوردة من جبال كارارا في ايطاليا. وتقع هذه ـ فقط للمناسبة ـ قرب برج بيزا، المائل ابداً والآيل للسقوط.

هناك معارضات في كل دول العالم. وجميعها تسعى الى تسلم السلطة أو الحكم، ولكنها جميعاً تطرح مشاريع ليس فيها إبادة الحكم الذي تسعى لإسقاطه. ولا الدوس على ما وقعه واقره من قوانين، وقلت مرة للرئيس سليم الحص ان احد القوانين الذي صدر ايام حكومة الرئيس الحريري يجرد البلد من دخل اضافي ويجب تغييره. وقال، الأفضل ان تخسر قليلاً من ان يقال إننا بلد لا يحترم القوانين التي يسنها. المؤسف ان المعارضات العربية خارجة على قوانين واصول وقواعد المعارضة، ولها اشغال عديدة وخطاب واحد: من الصومال الى العراق. ولغة، واحدة ايضاً: لا مكان لأحد إلا هي.