إعدام صدام وخطأ الشكليات

TT

حتى في الغرب جرت العادة ألا يرسل المحكوم عليهم إلى الإعدام في يوم عيد كعيد الكريسماس لأنه، مثل بقية الأعياد، مناسبة للتسامح والرحمة أو على الأقل للنسيان. هذا هو الحال أيضا بالنسبة للأعياد الدينية الإسلامية التي تحرص الحكومات هنا على أن تمنح العفو فيها عن بعض المحكومين، وتطلق سراح من تبقى لهم عقوبات قليلة في السجون، وترأف بمن تعتقد أنهم يستحقون الرحمة. هذه هي العادة عند المسلمين وعند غيرهم في أيام الأعياد، وليس قتل المحكومين حتى لو كانوا مدانين ومن عتاة المجرمين ممن يستحقون الإعدام مثل صدام حسين الذي لا خلاف على انه يستحق أكثر من ذلك.

فقد استيقظ ملايين الناس مصدومين بنبأ إعدام ديكتاتور العراق السابق في صباح عيدهم، ليسمعوا خبرا مقززا للأكثرية منهم. لقد كان اليوم الخطأ تماما، وربما هو اليوم الذي تمناه صدام نفسه لأنه يعرف أنه سيستفز مشاعر الأغلبية وأحاسيسهم.

والذي لا يلقي له بالا بعض العرب والأكثرية من الغربيين هي الشكليات في التعامل مع القضايا الصعبة. الشكليات في العالم العربي أحيانا أكثر أهمية من الواجبات الحقوقية، وبعبارة أكثر وضوحا لو أن صدام اعدم بدون محاكمة أو محاكمة سريعة لكان أمرا مقبولا أكثر من أن يعدم في يوم يعتبره الناس يوم التسامح، في يوم يحتفل فيه المسلمون بأنه اليوم الذي أعفى فيه الله سيدنا إبراهيم من تقديم ابنه إسماعيل قربانا وصار رمزا ويوما للعفو والرحمة.

وقد يبدو الأمر غريبا أن تولي أهمية كبيرة للشكليات، كاختيار يوم أو تجنب يوم آخر، لكنها مسألة مهمة. والموالون لصدام استفادوا من مثل هذه الأخطاء الشكلية كما حدث حين ضربت القوات الاميركية الفلوجة والنجف في شهر رمضان، وكان ذلك التوقيت يمثل خطأ أثار هياج العامة وأضعف وضع الحكومة بعد أن كان الهدف إظهار قوة السلطة الجديدة.

ولكن مع تركيز الأكثرية على تخطئة التوقيت فان الحقيقة الأساسية تبقي هي أن صدام يستحق الإعدام. فقد ارتكب من الجرائم بحق الشعب العراقي، وحق شعوب المنطقة الأخرى، أكثر من أي مجرم سياسي آخر بما يبرر تطبيق أقسى العقوبات بحقه. إن رجلا مثله لا يستحق الرأفة حيث كان يرسل أبرياء إلى الإعدام لأسباب واهية دون محاكمات وببشاعة لا مثيل لها. وكان يأمر بالقتل بلا تمييز للصغار أو الشيوخ والأبرياء. وسيكون إعدامه درسا بليغا لكل القساة من الحكام والقتلة الذين يعتقدون أنهم يستطيعون الإفلات من جرائمهم.

على الأقل منح صدام في محاكمته الكثير مما يستحقه مجرم مثله. أعطي الفرصة لان يعترض، وان يجلب شهوده، ويدافع عن نفسه، ويهاجم السلطة ويخونها علانية، ويهاجم القاضي والقضاء والخصوم. وما كان إعدامه إلا مجرد تطبيق للعدالة في أصدق صورها وإن جرى تنفيذها في أسوأ أيامها.

[email protected]