أمنيات عراقية: وسادة الأمن والاستقرار

TT

عام نقلب اليوم آخر أوراقه، تحسب فيه الدول معدلات النمو والدخل والتطور التي حققتها، والحكومات المنجز والمتحقق من برامجها والسياسيون يقومون بجردة حساب لما أوفوا به من وعودهم لجمهورهم، وصولاً الى الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، إلى قطاعات الاقتصاد والتجارة، إلى الخدمات، حتى الافراد فانهم عندما يستعرضون عاماً مضى فلا بد أن يحسبوا المتحقق من الاماني والطموحات وما كسبوه من الارتقاء بمصادر العيش وسبل المعارف، لا اشك بان هذا هو ديدن شعوب دول الكوكب كلها، إلا العراق الذي أصبحت أمنية الفرد فيه واحدة، هي أن يتفحص بعد نهاية العام رأسه ويجده لا يزال على كتفيه ولم يلحق بأشلاء بفعل العبوات ومفخخات مستعجلي الشهادة، أو لم ينضم للجثث المجهولة أو يصبح رهينة وسلعة مقايضة بيد عصابات الخطف والجريمة، لذا فقد اشتركت أمنيات العراقيين واختزلت بعودة الأمن والاستقرار، حيث أن مقارنة بسيطة في معدلات واتجاهات العنف ما بين بداية العام ونهايته تظهر بأن تراكم الأيام والاشتداد المفترض لعود الحكومة ولخبراتها وإمكانياتها، لم تستطع أن تقلل من العنف بل حتى في إيقاف تسارع وتائره.

دون حرمان أنفسنا من الأماني والتمني، إلا أن ذلك لا يغنينا في سعينا في توقع القادم عن قراءة مستقبل مواقف وعناصر القوة للأطراف الفاعلة في المشهد العراقي، وهي القوى الأربع التالية:

قوى العنف والإرهاب، والحكومة والطبقة السياسية، ودول الإقليم، والإرادة الدولية، ومدى قدرة هذه القوى على حسم الصراع، او إدراكها استحالة ذلك فتقبل بالحلول. رغم الاصطفافات الواضحة لهذه القوى إلى خندقين إلا أن ذلك لا يلغي السيولة النسبية في مواقف بعض القوى في الجبهتين. إذ تصطف في الجانب الأول قوى الإرهاب وقوى العنف مع قوى التشدد في الإقليم الساعية إلى إفشال الامريكان عبر تدمير الوضع العراقي مع رأي عام عربي وإسلامي أعماه كرهه للامريكان والمواقف النمطية ضدهم عن الالتفات أو الاكتراث لمئات بل آلاف من قصص العذاب الإنساني المضافة يومياً، بل يجد في مقتل مائة ألف عراقي عارضاً جانبياً وثمناً يستحق مقابل مقتل ثلاثة آلاف امريكي، على الجانب الآخر تقف الحكومة العراقية وجزء من الطبقة السياسية وتلتقي معها في المخاوف والقلق دول الاعتدال في الإقليم لكنها تفتقد جرأة ومبادءة قوى التشدد وتتحرج من أن تظهر مواقفها كإنقاذ أو عون للامريكان الطرف الاخر في هذا الاصطفاف.

فقوى الإرهاب والعنف تملك مشاريعها التي تقوم، وان بتفاوت نوعي، على تدمير أو أضعاف الدولة العراقية، فهي تنتهج استراتيجية جعل الدولة غير قابلة للحكم، اردفتها باستهداف المواطنين بهدف جعل البلد غير قابل للعيش، ثم استكملتها بثالثة بتمزيق النسيج المجتمعي وجعله غير قابل للرأب، لذا يعود من السذاجة ونوع من لوك الشعارات الجاهزة الحديث عن حل سياسي معها كونه لا يصب إلا في إطالة العذابات، وإبقاء الساحة ملتبسة ويوفر المظلة والمسوغات لها، فالمبادرات السياسية يجب ان تتوجه الى البيئة التي تتحرك فيها هذه الجماعات، وهنا لكي لا نجافي منطق الأشياء ولكي لا نستمر بوهم استطال لثلاث سنين، فان هذه البيئة ترفض الإرهاب وتأتي إلى صف الدولة فقط عندما توقن بان النفع منها اكبر والخشية منها اكثر.

والفاعل الثاني الحكومة التي تمتلك عوامل قوة كثيرة ومتنامية، إلا أن المطلوب منها اتخاذ القرارات الصعبة وان لا تظل مرتهنة لهاجس الإبقاء على إجماع بات مشلاً ومعوقاً لها، وان تتكئ على الشعب وتتجاوز القوى الناشزة في الطبقة السياسية والتي فشلت في التوحد على حد أدنى في خطابها ناهيك عن خللها البنوي الذي يمنعها من إيجاد أو الاتفاق على حلول، فالطبقة السياسية الشيعية بغالبية أطرافها الفاعلة تحكمها الريبة والشك البيني الذي يعود إلى سنين المعارضة والمنافي الطويلة وصراعات أحزابها وبيوتاتها ورموزها وهذا ما أفضى إلى الجمود وإجهاض للحلول، فاستبدلت مظلومية مكونها بتطمين مصالحها الذاتية، وبالحرص على مكاسب أحزابها وانغلقت دون كفاءات ونخب شعبها، والطبقة السياسية السنية فشلت في غالبيتها في إدراك مصالح مكونها، لا مصالحها الذاتية، وفضلت المواقف الملتبسة الضعيفة التي بات يدفع أبناء مكونها أثمانها خراباً ودماء، وفضل بعضها ممالأة الإرهاب وتركوا مناطقهم نهباً له، كما يلاحظ وبغرابة التدني النوعي الواضح للتمثيل السني، إذ هل هذه هي القيادات السنية التي ترث القادة السنة المؤسسين والبناة للعراق الحديث كـ (نوري السعيد وجعفر العسكري والسعدون والهاشميان ياسين وطه والسويديان ناجي ويوسف والباججيان والكيلاني والبزاز وغيرهم).

والفاعل الثالث هو دول الاقليم والتي هي بلا شك المتضرر الأول من استمرار انحدار الأوضاع في العراق اذ ان منطقتها ستكون الحديقة الخلفية لعدم استقراره، الا أن فاعلية قرارها لا زالت بيد قوى التشدد والتي تراهن على عدد من الساحات والمسائل الإقليمية التي تتخذها كذريعة حماية لأنظمتها وساحة هجوم مقابلة على أعدائها مستفيدة من الدخان المتصاعد وتلبد الأجواء لتمرير وكسب الوقت لسياساتها، في حين أن الاثمان التي تعرضها لمقايضة هدوئها عالية ولا يمكن ملاقاتها.

أما الفاعل الرابع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة، فانها ربما ستكون الأكثر ديناميكية وتكيفاً مع متغيرات وبدائل الساحة العراقية يدفعها في ذلك انضغاطها بالزمن المتسارع الذي لن تتعدى سقوفه العام القادم، حيث يجب إحداث تغيير نوعي فيه.

وأخيرا ما يحدوني إلى الأمل، فضلاً عن أننا يجب ان لا نركن إلى اليأس، لان هذا تحديداً ما تريده قوى الشر، فان الزمن بات ضاغطاً على كل الأطراف، وان الضرر سيطال الجميع، وان الجمود والحياد لم يعد خياراً، فضلاً عن بلوغ الوضع درجة من السوء والضيق لا بد أن يعقبه كما نقول في موروثنا الفرج، واتساقاً مع ذلك فان العام القادم يحمل رقم 7 وهو الذي ارتبط عندنا شعوب الشرق بالحظ والتفاؤل والمقدس والأساطير!