كالسلحفاة أو الكلب مرة واحدة!

TT

كنت أتسلل من المحاضرات واذهب إلى حديقة الحيوان لأسباب خاصة جدا لم استطع أن اطلع أحدا عليها. فقد كنت أريد أن اعرف كيف تتم العمليات الجنسية بين الحيوانات. فالثعابين تلتف حول بعضها البعض وتعتصر. وعند الأسد كما عند البط والديوك تستغرق العملية دقيقة.. وفهمت لماذا تحاول أنثى الأسد أن تغريه وتثيره وقتا طويلا لأنها تعرف أن العملية الجنسية لا تزيد على دقيقة.. وأدركت فيما بعد أن السبب الحقيقي لهذا الاهتمام الغريب ليس العلم وإنما حب الاستطلاع.. ولم اذهب إلى ابعد من هذه الملاحظات.. وفي مرحلة أخرى انشغلت بقصة أخرى أكثر حيوية: كيف تنام هذه الحيوانات.. بعضها ينام واقفا. وبعضها يغفو. وبعضها لا هو نائم ولا هو يقظان.. والذي أدهشني هو السلاحف. ففي العملية الجنسية يظل الذكر يعتلي الأنثى أياما فلا نعرف إن كان نائما أو هو قد مات.. أما الطيور فهي تنام وتفتح عيونها.. ففي لحظات مكثفة تكون قد استراحت.. وطيور الحدائق غير طيور وحيوانات الغابات. ففي الغابة يكون نومها هو موتها لأن هناك حيوانات أخرى تتربص بها. فقد اعتادت أن يكون نومها في لحظات يعادل نومها في ساعات!

ولا بد أن الإنسان كان كذلك. ففي سنوات الغابات كان النوم مصيدة للموت. ولم يعرف الإنسان النوم على جانب واحد وبعمق إلا عندما صار له مسكن له أبواب ونوافذ. ولم يعد يخاف من الحيوانات المفترسة.

حتى بكاء الطفل. ولا بد أن الطفل أيام كان في الغابة، إذا بكى تأكله الوحوش.. ولا بد أن الأم قد كتمت صوت ابنها ألوف السنين حتى لا تهتدي إليه الوحوش. فأطاعها. فلما صار للأسرة بيت وباب ونافذة راح الطفل يبكي على راحته آمنا مطمئنا ـ وأبواه أيضا!

وحاولت أن أضع لنفسي مكانا بين هذه الحيوانات فأنا لا أنام مثل السلحفاة ولا مثل الأسماك التي تفتح عيونها وزعانفها وتنام في حراسة بيولوجية الكترونية.. ولا أستطيع إلا أن أطبطب على كلبي.. الذي لا يكاد يضع رأسه على جزمتي حتى ينام ويكون لنومه صوت مرتفع.. وأتمنى لو فعلت مثله ووضعت جزمتي تحت رأسي بدلا من المخدة! ولا اعرف أين يوجد هذا الأمان والاطمئنان الذي يفيض على كلبي.. إذن فاقد الشيء يعطيه: فأنا الذي لا اعرف كيف أنام امنح كلبي كل هذه السعادة!

وعند الإغريق أسطورة الولد الحليوه (امديوه) أحبته إلهة القمر سلينا. فحكمت عليه بالنوم الأبدي في احد الكهوف وأنجبت منه خمسين بنتا. لقد حبسته في كهفين: هذا الكهف والنوم.. ويقال إن هذا الحليوه قد أحبته إحدى عشيقات زيوس كبير الالهة عند الإغريق. فعاقبته بالنوم إلى الأبد. فإذا اقتربت منه المعشوقة وجدته ولا هو هنا!

الأغنية المصرية تقول: فتح الهوى (الهوا) الشباك والنوم طار مني.. وأنا لا فتحت شباكا ولا طاردت هوى ولا تنسمت هواء.. والنوم طار.. اطلب من الله ولا يكتر على الله نوم سلحفاة.. مرة واحدة كل شهر!