حرامي ولا فخر!

TT

كثيرا ما التقي في لندن بضحايا النضال الوطني، الذين لم يجدوا مهربا من العدالة العربية غير اللجوء الى بريطانيا الامبريالية. مجالس هؤلاء القوم من اطرف المجالس. انصح كل زائر الى لندن الاجتماع بهم والاستمتاع بحكاياتهم. فمن طبيعة التراجيديا انها تتحول الى كوميديا بعد ان يمر عليها الزمن. ولم لا، فجل ما انجزته الانظمة الثورية العربية من عدالة هو كوميديا من الطراز الاول.

روى لي احد اصدقائي انه اثناء اعتقاله خطأ في احد البلدان العربية (وامتنع عن تسميته خوفا من ان يعتقلني انا ايضا). عانى الأمرين من مشكلة عد السجناء. ذلك انهم اعتادوا على اخراجهم من زنزاناتهم للتريض والتمشي لساعة من الزمن ثم إعادتهم الى اماكنهم بعد عدهم. وكان ذلك مثارا للكثير من المشاكل والعكننات، فالظاهر ان الحرس الأميين لا يجيدون الحساب، بما ادى غالبا الى نقص في المجموع. الغريب ان الخطأ في حساب السجناء كان دائما بجانب النقصان مما يختلف اختلافا تاما عما يجري في المطاعم اللبنانية حيث يكون الخطأ دائما بجانب الزيادة. بيد انهم في احدى المناسبات وجدوا ان العدد زاد عن المجموع بواحد. ولم يعرف احد كيف تم ذلك. لو كانوا نساء لقلنا ان احداهن قد ولدت خلال ساعة الرياضة. واصبح الأمر مدعاة لكثير من الاضطراب حتى اكتشفوا ان القائم بالعد قد عد ايضا الحارس المكلف بهم.

كان لي صديق حرامي. قد يستغرب القارئ من صداقتي بحرامي، ولكن هذا شيء يصعب تفاديه في العالم العربي، فالحرامية موجودون في كل مكان ويصعب تحاشيهم. صدر بحق هذا الصديق امر من الانتربول باعتقاله حيثما وجد. فقد كان صديقي الحرامي هذا لصا ومزورا عالميا. لم يعرف اين يذهب. اخيرا اهتدى الى سورية التي لم تكن في الستينات قد سمعت بعد بالانتربول، او إن الانتربول لم تكن قد سمعت بعد بسورية. لم يكن صديقي الحرامي حراميا فقط، بل كان ايضا نسوانيا. فبقدر حبه للفلوس كان حبه للنساء الشقراوات. فأخذ واحدة المانية منهن واستقر في دمشق يصرف عليها ما سرقه منا. لم يلتفت اليه احد حتى وقعت حرب 1967 وما صحبها من بارانويا الجواسيس. رأوه أجنبيا يتجول مع هذه الشقراء فعقدوا الرأي على انه جاسوس فاعتقلوه. راح الرجل يتوسل بهم: «يا جماعة انا حرامي ومزور عالمي، وعلي القاء قبض من انتربول!» ولكن من يسمع؟ كتب الي في لندن ان ازوده بكل ما امكن من وثائق وتقارير صحفية تثبت انه حرامي وعليه القاء قبض.

وهذا ما حصل لحرامي آخر في بغداد في عهد عبد الكريم قاسم ومطاردة البعثيين. رأوه يسرق علبة زيت في سوق الشورجة. هذا ما كان الناس يسرقونه في تلك الأيام، ولم يفطنوا بعد الى سرقة المليونات من خزينة الدولة. هرب الرجل وصاحب الدكان يجري وراءه ويصرخ «حرامي ! الزموه! حرامي!»، ولكن بعد مائة متر تحولت الصرخة الى «الزموه بعثي!» ولزموه ونزلوا ضربا به وهو يصرخ ويتوسل: «والنبي مو بعثي! انا حرامي. حرامي والنبي يا ناس!».