خطابات الظواهري: توظيف للنص .. أم ترسيخ للمؤامرة ؟

TT

من يتأمل خطابات بن لادن سابقا أو الظواهري لا سيما في الفترة الأخيرة والذي ظهر بصورة المنظر السياسي في قضايا المنطقة ، يلحظ تضمينه لنصوص دينية يتم انتقاؤها لتتسق مع المراد والمبتغى الوصول إليه. كما ان من ينتقد هذا الخطاب يستند الى نصوص اخرى تفند ما ذهب اليه زعيم القاعدة او نائبه. غير ان مثل هذه الطروحات تثير كثيرا من الدهشة وهي المتضمنة مطالبته بقتل من يعتنق ديانات أو حتى مذاهب اخرى. ولذا فان ثمة سؤال لا يلبث أن يواجهنا كلما جمعنا لقاء بمن يقطن في الغرب أو الشرق:

هل الإسلام يجيز قتل الأبرياء؟ سؤال طفا على السطح لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولكي نمضي الى المزيد من المكاشفة نقول ان أدبيات الحركات الراديكالية المؤدلجة دينيا وسلوكياتها على ارض الواقع كرس بلا ادنى شك هكذا مفهوم، مما خلق حالة من الالتباس في فهم حقيقة الدين الإسلامي لدى الشعوب الغربية، فاختلطت الأوراق وباتت الصورة النميطة المشوهة هي الحاضرة في الذهن والتي رسختها وبدون أدنى شك بعض وسائل الإعلام الغربية. ولعل هذا يقودنا لتناول قضايا ومسائل تتعلق بعلاقتنا بالآخر (غير المسلم)، لأننا بذلك نؤسس لطبيعة العلاقة من منظور ديني ونحتكم على أساسها، وعلى افتراض صحة هذا التوجه، نجد ان شريعتنا السمحاء في مصادرها الأساسية فصلت في هكذا علاقة، وبات مكررا هذا الطرح (علاقة المسلم بغير المسلم، سواء كان معاهدا، ذميا..الخ)، انما القضية ليست في النص القرآني المقدس، لكن في تفسيرات البعض التي تتجاوز مفهوم النص لتحدد مفهومه حسب قناعاتهم وتوجهاتهم، وهنا تقع الكارثة الحقيقية.

على انني ما زلت أرى ان ثمة فارقا بين النص الديني (القرآن) الذي يجب ان نتمسك به ونقدسه، وبين التفسير الديني الذي هو جهد بشري يحتمل الصواب او الخطأ، وليس بالضرورة يعبر عن حقيقة المغزى للنص القرآني الكريم، فالتفسير يبقى اجتهادا انسانيا وليس تنزيلا إلهيا، وهنا الفارق، فمن ينتمي لهذا المذهب او تلك المدرسة او هذا التيار، تجده يحاول قدر الاستطاعة توظيف النص الديني ليتواءم مع توجهاته ورؤيته ورغباته، وما يدلل على صحة ذلك، على سبيل المثال، اصحاب التيار التكفيري الذين افتوا بفتاوى قتل الابرياء ورجال الامن.. الخ، ثم لم يلبثوا ان تراجعوا عنها، والمفارقة انهم استندوا الى آيات واحاديث وظفت بشكل يتناغم ـ (في كلتا الحالتين) ـ والرسالة المراد ايصالها، فكانت ضمن السياق العام للفتوى حتى تعطى لها الشرعية لا سيما ان المرجعية نصوص قرآنية، لكنها وظفت ـ كما ذكرنا ـ لأغراض لم تعد تنطلي على احد، في حين ان الوسطية في الاسلام لا تقر تلك الطروحات العدائية مع الغرب، بل تنادي بمفاهيم التعايش والتسامح والحوار، وقد نادت به الشريعة الاسلامية منذ ما يربو على الف عام، والحضارة الغربية كمضامين تدعو الآن الى ذات المفاهيم في عالم بات الى الالتحام والتمازج هو اقرب.

علينا ان نعلم وان نوقن ان الغرب الآن هو من يملك الادوات والقدرات للسيطرة والسيادة، ومن يجحد ذلك فهو لا ينتمي الى عالم الواقع، بل الى عالم الاحلام والأماني والنوستالوجيا، وليس بالضرورة ان نرفض هذه الحضارة بالمطلق ولا ان نقبلها بالمطلق، بل علينا ان نستوعبها وان نتفاعل معها من دون ان ننسلخ عن قيمنا وثوابتنا وهويتنا، واضعين في الاعتبار ان المصالح هي لغة اليوم، فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وأحسب ان العلاقات الدولية اليوم تستند الى هذا المنطق، كما ان علينا ان نميز بين الشعوب وسياسات الحكومات، فالأخيرة تأثيرها محدود لأن فترتها محدودة، في حين ان الشعوب ليس بالضرورة ان تتفق مع سياسات حكوماتها، فالشعبان الاميركي والبريطاني كانا معارضين للحرب على العراق ـ على سبيل المثال ـ وخرجت مظاهرات تندد بقرار الحرب. لذا علينا ان ننسلخ من مفاهيم المؤامرة وان الغرب يتربص بنا او بالاسلام، فالغرب لا يعنيه شيء إلا مصالحه، وعلينا ان نعامله بالمثل، مرتهنين الى العقل والانفتاح ونسبية الاشياء والواقعية وقراءة الاشياء بأسمائها، ونتخلص من عقلية الفوبيا والانغلاق والجمود وتعليق اخطائنا وهفواتنا وضعفنا وخلافاتنا وتخلفنا على شماعة الغرب!!

ان خطاب البعض وهو متشدد في بنائه واهدافه ورؤاه اساء للاسلام ولمعاني الاسلام، وما احداث العنف ولغة القتل ومشاهد دم الابرياء من اطفال وشيوخ وأمهات إلا تكريس حقيقي لذهنية دموية وسلوك عنفي، مع ان الاسلام ينادي بالتسامح والتعايش بين الامم والشعوب، وهنا تكمن اشكالية توظيف النص التي هي في اعتقادي السبب الرئيسي في تكريس الخلاف بين المسلمين، ولا اقول الاختلاف الذي في ذاته ظاهرة صحية تثري وتبني ولا تقتل وتهدم.

ان الحوار الديني يهدف الى تلاقح مشترك من اجل تفاهم عالمي بين أتباع الاديان، وخلق ارضية مشتركة للتعاون ومن اجل سلام عالمي يحقق احترام كل طرف للطرف الآخر، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة، والذي اتخذ من الجدال والحوار سبيلا مع معارضيه من المشركين لاقناعهم، فكيف يمتنع مسلمو اليوم عن ذلك؟!