أنفاس «في الغرزة» السياسية!

TT

للمخرج الأمريكي وودي آلن فيلم مشهور بعنوان (بناناز) أي «الموز»، وهو وصف في قالب هزلي وساخر لحال جمهوريات أمريكا الوسطى، التي تعرضت لعدد كبير من الانقلابات العسكرية في فترة الستينات والسبعينات الميلادية من القرن الماضي. وهذه الجمهوريات كان يطلق عليها جمهوريات الموز، لأن الموز كان منتجها الأساسي، وتطرق الفيلم الى تصرفات وقرارات الثوار غير المفهومة، بعد وصولهم الى الحكم، حيث يصور ديكتاتورا عسكريا (شبيها بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو) وهو يصرح لشعبه بأنه بعد تسلمه للحكم سيصبح كل فرد من أفراد الشعب، ممن هو دون الثامنة عشرة سيصبح عمره ثمانية عشرة، وأن اللغة الرسمية للبلاد ستصبح هي السويدية! تذكرت هذا المشهد الساخر وأنا أتابع آخر تصريحات الزعيم الليبي معمر القذافي بخصوص ركن الاسلام الخامس: الحج، الذي يدعو فيه الى أن «يسمح للمسيحيين واليهود بالطواف حول الكعبة»، وأن «الكعبة ليست للعرب ولكنها للعالمين، ولكل الناس في جميع القارات.. والمغالطة انهم أعطوا هذا الحق لاتباع محمد، وهذا ليس له سند في القرآن». وهذا الرأي قد يكون مستساغا لو أنه ظهر في أحد افلام المقاولات العربية الهابطة، ولكنه «طرح» في جلسة جادة لرئيس دولة عربية، تنتمي الى كافة المنظمات الاسلامية الرئيسية، وكل مواطنيها، هم من أبناء أهل السنة والجماعة، والحقيقة أن هذا النوع من الكلام لا يمكن أن يؤخذ مأخذ الجد، فهو أشبه بمن يقرر فجأة أن الخمرة المقصود بتحريمها في القرآن هي لبن الابقار، أو أن الصلاة المشار اليها هي سباق المائة متر وهكذا.. وكما يقولون في لبنان «هيك آراء بدها هيك تعليقات». ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن العقيد معمر القذافي تجرأ عبر السنوات وقدم العديد من الافكار، التي كانت تستقبل بالتهليل والهتاف، وكأنها فتح مبين، من دون أن يواجه بأن ما يقدمه هو فكر سياسي سوريالي، أشبه بلوحات الفن التشكيلي المليئة بالالوان و«الشخابيط». الموضوع الآن يمس الدين وأحكامه القرآنية، والسنة الفعلية لنبيه عليه الصلاة والسلام، وإجماع الأمة المطلق، منذ أكثر من ألف واربعمائة سنة. اذا كانت الافكار «الخلاقة» من الممكن تقديمها من خلال مهرجانات الفاتح أو (الغامق) من سبتمبر، أو من خلال صفحات الكتاب الأخضر، إلا أنها يجب أن تقف عند حد المساس بمعتقدات المسلمين وبأسمى الأديان السماوية وسنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام. فرقة «الحشاشين»، التي أشاعت الرعب أبان حقبة سوداء في التاريخ الاسلامي باغتيالاتها ورعبها، الذي بثته، يبدو أنها تعود «نيولوك»، بفكر يحول الثوابت لمواد ساخرة وجدلية. والزعيم الليبي وبعد أن فشلت مشاريعه لتحرير فلسطين واكتفى بطرد الفلسطينيين المقيمين بليبيا لمنطقة حدودية عنده، وفشلت مشاريعه الأفريقية، يبدو أن شهيته منفتحة اليوم على الدين الاسلامي.

أعاننا الله.

[email protected]