صدقني علاجهم الوحيد: الزار!

TT

عندما يقرر أي إنسان أن يعرض نفسه على طبيب نفسي، فلأنه تعبان جدا.. ولأنه مقتنع بأن هذا الطبيب هو وحده الذي يستطيع أن يعيده إلى حالته.. أن يجعله يفكر بهدوء ويعمل بهدوء ولا يصطدم بالناس.. ولا ينظر إليه الناس على انه إنسان مجنون!

ولذلك فأول ما يريده هذا الإنسان التعبان، هو أن يؤكد له الطبيب النفسي انه فعلا تعبان، وان كل الناس مثله.. وانه هو أعقل من معظم الناس، وبعد ذلك يجب على الطبيب أن يرفع الشعور بالحرج الذي بينه وبين المريض التعبان ـ والمريض هو المحرج عادة. ومن الضروري أن يكون الطبيب رقيقا لينا واسع الصدر. وعلى هذا الصدر يجب أن يجد المريض مكانا لرأسه وأحلامه ومتاعب طفولته ورجولته.. وان يكون كل ما يقوله الطبيب هو مخدرات كاوتش دنلوب تتمدد عليه أعصاب المريض. وبذاك تنفتح نفس المريض ويقرأ للطبيب كل متاعب هذا التعبان منذ ولدته أمه، إلى أن ساقته الظروف السيئة إلى عيادة الطبيب.

ولكن الذي يحدث في بلدنا عجب! فمعظم الأطباء النفسيين عندهم عيادات مزدحمة بالتعبانين.. مزدحمة.. نعم! وهذه اكبر غلطة في حق المريض وحق الطب نفسه. فالمريض الذي يراه هذا العدد الكبير من الناس يحرجه ويعقده أكثر وأكثر. وإذا كان هذا العدد الكبير في عيادة طبيب فمعنى ذلك أن الطبيب لن يكون عنده وقت لسماع أحد أو مناقشة أحد أو إعطاء الأمان لأي أحد.. وهذا عيب يؤدي إلى تعقيد المريض.. وهذا التعقيد يضاعف متاعب المريض، فكأن الطبيب قد قرر أن يجعل مرضاه أكثر مرضا، وأن يجعل شفاءهم نوعا من المستحيل.. ولكنهم في جميع الحالات يجب أن يدفعوا «الشيء الفلاني» وهذا هو المهم!!

سمعت عن طبيب كل مؤهلاته أن يكون ضابطا في بوليس الآداب فنظرته هي تفتيش واتهام وإدانة وإهانة أي إذلال للمريض.. وتعميق الشعور بالذنب عنده.. وسمعت عن طبيب يشتم المرضى ويهدد بالضرب..

إن «كودية» الزار أرحم وأسلوبها في العلاج.. رغم أنها لا تدعي الطب ـ أصح.. فهي لا تطلب أكثر من بعض الديوك البيضاء وبعض الفلوس. ولكنها تترك الناس يرقصون ويصرخون كأنهم شاهدوا الهدف الوحيد في آخر دقيقة من مباراة دولية!

ثم يعود الناس إلى بيوتهم وقد استراحوا، وان كانوا يخجلون من أنهم حضروا حفلة زار.. مع أن هذا الزار لا يبعث على الخجل.. ولكن هذا الطب النفسي هو الذي يبعث على الخجل!