حسن الخاتمة.. السياسي!

TT

شيء غريب حدث في الأسابيع القليلة الماضية وكأنها يقظة ضمير بامتياز. جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، أصدر كتابا بعنوان «فلسطين السلام لا التفرقة العنصرية»، وفيه يقوم بانتقاد شديد وغير مسبوق من مسؤول سابق في منصبه للسياسات والممارسات الإسرائيلية، مشبها ما تقوم به إسرائيل بنظام الفصل العنصري «أبارتايد» وان هذا ساهم بقوة في قتل فرص السلام الممكنة.

وطبعا تعرض كارتر بسبب هذه الآراء لموجة حادة من الانتقاد من اللوبي الإسرائيلي النافذ. وبعد وفاة الرئيس الأمريكي السابق جيرالد فورد بث الكاتب الصحفي الأمريكي المعروف بوب وودوارد وصية صوتية له، كان قد طلب أن لا تعلن إلا بعد وفاته، وفيها يبين اعتراضه الشديد على الغزو الأمريكي للعراق ويصفه بالقرار الخاطئ، ويوجه نقدا حادا لاثنين من موظفيه السابقين وهما ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. وقبل الاثنين قام الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السابق كوفي عنان وقبل شهر من انقضاء مدته، قام بإلقاء خطاب «جريء» يبين فيه انتقاده للنهج السياسي الأمريكي، والانفراد بالقرار بغض النظر عن الموافقة أو الوفاق الدولي لذلك. جرأة غريبة وانفتاح غير مسبوق وهي مواقف تغيب مثيلاتها عن الساحة العربية. كل تلك الأحداث والمواقف حدثت مع تقديم السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية الأمير تركي الفيصل لاستقالته «لظروف خاصة» ورغبة في التقاعد بحسب ما يوصف.

ولا أعرف كثيرين مثل تركي الفيصل، عاش ما عاش من الأحداث، وقابل من قابل من الناس، وشاهد ما شاهد من المواقف وجنون الشرق الأوسط ورياحه العاتية، والسياسة الدولية وأعاصيرها المدمرة.. كثير من ألغازها وطلاسمها بجعبة تركي الفيصل.

وقد يبدو «طقسا» غريبا أن يقوم مسؤول عربي سابق بكتابة مذكراته، وتحديدا مسؤول سعودي، ولكن فصول ومراحل قصة تركي الفيصل فيها من الإثارة والتنوع والثراء والدروس والعبر ما يجب أن يحكى. في ظل غياب المعلومات من مصادرها تكثر القصص والأقاويل عن الأحداث المختلفة التي مرت بها المنطقة، بصورة عامة كان تركي الفيصل لاعبا مؤثرا في البعض منها، وشاهدا فاعلا في غيرها. الكثيرون ممن تابعوا تركي الفيصل في مقابلاته المحدودة ومحاضراته المختلفة يدركون أن أرشيف الرجل مليء بالمعلومات «المحفوظة» والوثائق، والغرب والشرق يتشوقان لوجهات نظر مسؤوليهما بعد رحيلهم من المناصب وقراءة ما كان يبدو عالما خاصا ومجهولا وممنوعا، ومن حق العرب والسعوديين أن يأملوا من مسؤوليهم ذات الشيء، وكل الأمل أن لا تعامل هذه الأمنية بالمقولة السلبية «ليس كل ما يعرف يقال».

[email protected]