هل من ترجمة شرق أوسطية لاستعادة الديمقراطيين السيطرة على الكونغرس؟

TT

السؤال المنطقي الذي يتردد في الأذهان مع مطلع عام 2007 هو ماذا سيحمل انتقال السيطرة في الكونغرس الأميركي من الجمهوريين إلى الديمقراطيين من تغيّر في مقاربات واشنطن للأزمات العالمية.

«أزمات» الشرق الأوسط ـ بالجمع ـ، كما يبدو، تتصدر اهتمامات العالم. والسبب ليس فقط لأهمية المنطقة عالمياً من الناحية الاستراتيجية، بل لأنها أيضاً تبدو أكثر استعصاءً على الحل من غيرها من الأزمات الدولية الأخرى.

ففي الشرق الأوسط وما حوله مخزونات النفط واحتياطياته الهائلة، و«خط الزلازل» الحضاري ـ الديني بين الشرق والغرب، و«الاخدود» الاقتصادي بين الشمال والجنوب. وقد أفرزت تعقيدات المنطقة ظاهرة التفجر العنفي المسمى «إرهاباً» انطلاقاً من نقطتين: المشروع الصهيوني المتمثل بوجود إسرائيل كقوة إقليمية نافذة، والهيمنة الاقتصادية الغربية في ما بعد مرحلة الحرب الباردة.

إزاء هذا الوضع مارست إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش «الإبن»، التي تسلّمت السلطة في واشنطن مطلع عام 2001، أخطر سياسة تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لدول العالم منذ نهاية عهود الاستعمار القديم ... متسلحة بذريعة اعتداءات 11 سبتمبر/إيلول 2001. ولئن قال قائل إن الإدارات الأميركية السابقة ـ ولا سيما الجمهورية منها ـ فعلت ذلك خلال العقود القليلة الماضية، إذ غزت القوات الأميركية غرينادا عام 1983 ثم باناما عام 1989. فهذا القول مردود عليه بما يلي:

1- التدخل الخارجي في أفغانستان ثم في العراق وصل إلى حد الاحتلال المستمر.

2- أفغانستان والعراق بلدان يقعان جغرافياً خارج القارة الأميركية، وبالتالي، فهما خارج نطاق مفهوم الأمن الأميركي والمصالح الأميركية المباشرة تبعاً لشرعة مونرو التاريخية.

3- أفغانستان والعراق بلدان غالبية سكانهما من المسلمين بخلاف غرينادا وباناما، وهما أكبر بكثير وتركيبتاهما أكثر تعقيداً بكثير من تركيبتي غرينادا وباناما.

4- استند تبرير واشنطن احتلال كل من أفغانستان والعراق إلى آيديولوجية معينة تتبناها إدارة جورج بوش وتسعى إلى فرضها إقليمياً، قبل تعميمها على البشرية جمعاء في سياق «صدام حضارات» معلن. لا شك أن محطة فقدان بوش وحزبه الجمهوري أغلبيتهما في الكونغرس (مؤقتاً) حدث مهم من شأنه تعطيل تنفيذ باقي برامج المشروع الآيديولوجي لـ«القرن الأميركي الجديد» وفق منظّري «المحافظين الجدد»، أو على الأقل تأجيل تطبيق بعض بنوده.

فالديمقراطيون، لدوافع مصلحية ومبدئية، سيسعون إلى «فرملة» خطط بوش من الآن وحتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سنتين، أملاً باستعادة البيت الأبيض أيضاً.

وبالرغم من أن الفوارق الفكرية الجوهرية بين الجمهوريين المعتدلين والديمقراطيين المحافظين محدودة ... فإن راديكالية تيار بوش المتشدد وتعصبه لا يسمحان للديمقراطيين بالتساهل معه، وبالذات، أمام خلفية الأكلاف المتنامية لحربي العراق وأفغانستان.

إذاً، مع الافتتاح الفعلي لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، يفترض أن يختار الديمقراطيون مبادرات جريئة وفعالة توضح للناخب الأميركي الفارق الكبير بين الخيارين اللذين سيجدهما أمامه في خريف 2008.

في المقابل، سيكون من السذاجة التوهم أن بوش ـ العقائدي حتى النخاع والإنجيلي حتى يوم الدين ـ في وارد الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها منذ أقنعه ... أولاً الله ـ حسب قوله ـ، وثانياً مستشاروه من «المحافظين الجدد» والإنجيليين المسيحيين والعسكريتاريين، بضرورة شن الحرب على «الإرهاب» الإسلامي، وفرض «الديمقراطية» على دول الشرق الأوسط ولو مُهِّد لذلك بتعميم «الفوضى البناءة» أو المنظمة.

وفعلاً، كان أول الغيث التغييرات المعلنة في طاقم كبار المساعدين في المجالات الدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية ذات الصلة الوثيقة بمنطقة الشرق الأوسط، بُعيد تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبالشكل والتوقيت البائسين اللذين نفذ فيهما الحكم.

والانطباع الأولي عن التغييرات أن بوش اعتمد خيار التصعيد وتوسيع إطار التدخل رغم المعارضة الديمقراطية. ذلك أن الاستعانة بأشخاص من نوعية جون نيغروبونتي وزالماي خليلزاد والجنرال ديفيد بيتريوس وغيرهم من «الصقور» تشير إلى أن الرئيس الأميركي قرر الذهاب أبعد في «المواجهة» مع «العدو» ... ولكن من دون أن نعرف بالضبط مَن هو هذا العدو ... وعما ستسفر المواجهة!

هنا يطل علينا الكلام القديم ـ الجديد عن «الهلال الشيعي».

فـ«هدية» إعدام صدام حسين استناداً إلى إدانته بقضية الدجيل (1982)، لا الأنفال ... ولا حقوق الإنسان ... ولا الاغتيالات والإعدامات المنظمة، هدية مباشرة إلى إيران كماً ونوعاً وتوقيتاً.

وزيادة عديد القوات الأميركية في العراق بهدف ضرب «التمرد» (السنّي) ضد الحكم الحالي (الشيعي) قبل إيجاد صيغة توافق سياسي حقيقي ... سيكون حتماً الهدية الثانية. ومواصلة كيل المدائح بصورة خرقاء للحكومة اللبنانية، من دون دعم صدقيتها بخطوات عملية كانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا مثلاً، هدية ثالثة ثمينة تُهدى إلى المعارضة المدعومة من طهران ودمشق. والتغاضي عن مضي إسرائيل قُدُماً في مشروع «الحرب الأهلية» الفلسطينية سيكون، بالطبع، الهدية الرابعة.

كثيرون ما زالوا يعتقدون أن صفقة أميركية ـ إيرانية ... مسألة مستبعدة. ولكن ما تفعله بطانة مستشاري بوش يوحي بأن الأقوال شيء والأفعال شيء آخر.

مسألة ثانية جديرة بالتمعن.

الموضوع النووي الإيراني يفترض أنه محسوم عند واشنطن. فممنوع ـ كما نسمع ـ على طهران الاستحواذ على السلاح النووي، تماماً كما هو محظور عليها مدّ نفوذها خارج حدودها باتجاه جاراتها.

ولكن ما لم تكن ثمة مؤشرات لتحضير واشنطن للحسم فمنطق الأمور يقول بأن «المحافظين الجدد»، الذين تشكل عندهم إسرائيل محور تركيز أساسي، سيجدون ان أفضل ضمانة لأمن إسرائيل تكمن في عقد صفقة مع إيران، تحمي إسرائيل من أي خطر التعرض لهجوم نووي مقابل تطبيع كامل للعلاقات مع دول محور «الهلال الشيعي».

بالمناسبة، تسويق هذا الحل «اللا معقول» ليس مستحيلاً ... مع تذكّر سابقة «إيران كونترا» (أو «إيران غيت»)!