لا أريد إلا «التلييس»

TT

هو رجل معلم ـ أي مدرس ـ في مدرسة ثانوية، رجل مستقيم تقريباً إلا من بعض (اللمم)، وكلنا بالطبع، على (نحو) ما، نفعل ذلك إلا من عصم ربي، وسبق ان قال لي أحد المتفقهين: افعل ولا حرج، ففعلت وما زلت أفعل وسوف استمر على ذلك، فهي بالنسبة لي فرصة (وين افوتها) طالما ان المتفقه نفسه قال لي ذلك، واصبحت بعدها مقتنعاً جداً بتلك الحكمة القائلة: اجعل بينك وبين النار (مطوعا) ـ أي رجلا يفقه بالدين ـ ومن يومها ومن شدة محبتي له، اخذت أتشبث بثيابه، واسير خلفه أينما سار. اعود للمدرس النشيط، الذي يعلم الطلاب الأخلاق، ذلك المدرس اخذ قرضاً من الصندوق العقاري، واتفق مع مقاول لبناء البيت، وفعلا بدأ البناء، واصبح ذلك المدرس لا شغلة ولا مشغلة له بعد نهاية الدوام، غير مراقبة العمال الذين يبنون بيته، الى درجة انه بدأ يوجههم، ومع الوقت بدأ يشاركهم مستمتعاً بما يفعلون الى درجة انه تمنى ألا ينتهي بناء البيت، ولكنه انتهى وسكنه، وبدلا من ان يسعد بسكناه فإذا به يصاب بالكآبة، فهو يعود من المدرسة الى البيت ويشعر بالفراغ والملل، فما كان منه إلا الذهاب الى صديق يعرف انه في طور بناء منزل جديد له، فقال له: هل تسمح لي ان اشارك في بناء منزلك ؟! فاستغرب الصديق من سؤاله معتقداً انه يريد ان يشاركه في استثمار المنزل، فقال له: ابداً كل ما هنالك اريد ان ابني (البلوك) و(التلييس) إذا امكن؟!، فقال له صاحب المشروع: يا حبيبي (يا فلان) انت أكبر من ذلك، فرد عليه قائلا: ارجوك. فضحك صاحبه وتناول (الموبايل) قائلا: انت تأمر: واتصل بالمهندس يخاطبه ويقول له: ان صديقي فلان يريد ان يشتغل عندكم عاملا (باليومية) ببناء البلوك والتلييس، وعليكم ان تحاسبوه مثلما تحاسبون بقية العمال، فرد عليه المهندس قائلا: ولو (يا شيخنا) خليه يشرف. وفعلا بعد ان انتهى دوامه من المدرسة، وبدلا من ان يذهب الى بيته ذهب رأساً الى ورشة العمل، وعندما شاهده العمال وهو بكامل شياكته بثوبه الناصع البياض وشماغه (المنشّى) اخذوا يتضاحكون، وما هي الا عدة دقائق وإذا به يهل عليهم وهو حاسر الرأس، ويتناول من احد العمال (المسطرين)، و(البروا)، و(المطرقة) ثم يقفز (كالشنبانزي) الأنيق فوق العارضة ويدحم كتفه بكتف العامل (البنغالي)، وهات يا بنا، وهات يا (تلييس)، ولم يتوقف طوال أكثر من أربع ساعات الا بعد ان اذن العصر قائلا: (الله أكبر). وعاد الى بيته ملطخاً ببقايا الإسمنت والتراب، واخذ تقريعاً لا بأس به من زوجته، وضحكات لا بأس بها من ابنائه، الا انه نام في تلك الليلة نوماً عميقاً، يصاحبه شخير (أوبرالي) لم تعهده زوجته من قبل، الى درجة انها أخذت تتقلب طوال الليل ذات اليمين وذات الشمال مثلما تقلب كلب أصحاب الكهف، وما ان صاح الديك بالفجر (كوكوكو) فإذا به اسرع من الديك جرياً ناحية الحمام، لا ناحية الدجاجة، وغسل وجهه سريعاً، وارتدى ملابسه اسرع، وذهب الى المدرسة فرحاً ونشيطاً، وهو لا يفكر بالتلاميذ وتعليمهم، وانما يفكر فقط: متى تنتهي (الحصص)؟!، انه يفكر (بالبلوك والتلييس)، وقد جمعتني في يوم من الأيام (سهرة) بريئة مع ذلك المدرس (الخبل)، وقلت له متندراً: انني لو كنت في مكانك فلن ابني (البلوك) بتاتاً، انني لا اريد الا (التلييس)، وسوف امارسه بهدوء ومزاج، واعدكم انني لن احسد قيصراً على عرشه، ولا كسرى على ايوانه.

[email protected]