تزوير في أوراق رسمية !

TT

علاقتي بالتاريخ وأجندات التقويم علاقة مضطربة جدا، فانا أنسى أجندة العام الذي مضى في غرفة مكتبي شهورا حتى تتدخل زوجتي لتريح ذلك العام من البقاء إلى أرذل العمر. وعادة ما تتضخم هذه الإشكالية في داخلي عند مفترق الأعوام.. وباعتباري من المشتغلين بعلم النفس ـ سابقا ـ حاولت أن أنقب في الطفولة بحثا عن أسباب هذه العقدة المزمنة على طريقة فرويد الذي يحيل كل المشكلات إلى أبجدياتنا الأولى في دفتر الزمن.. وقد بدا لي أن هذه العقدة مستعصية على العلاج، فلقد تزامنت مع يوم مولدي، وبالتالي فأنا أجهل تاريخها كما أجهل تاريخ مولدي، فأمي تقول: «إنني أكبر من بنت الجيران بعام، أصغر من ولد الجيران بعام»، لكن لا ولد الجيران يعرف تاريخ مولده ولا بنت الجيران، فالتاريخ في ذلك الزمان لم يكن يتسكع في الأزقة والحواري ولا يهتم بغير مواليد الأعيان، وأبي لم يكن من هؤلاء، كان ملاحا يجوب البحار، شراعه غيمة بيضاء يسكنها الريح والشوق والموال.. هذا الجهل بتاريخ مولدي جعلني أمام الجمال أهز شجرة العمر فيتساقط عدد من أعوامها.. لذا لم أعتب على أمي قط، فلعلها لم تكن ترى أن قدوم إنسان إلى هذه الدنيا يستحق معاناة التسجيل طالما أنه مجرد عابر في زمن عابر.

وفي كل مرة أحتاج فيها أن أسجل ـ بحكم القانون ـ تاريخ مولدي ينتابني شعور الذي يمارس التزوير في أوراق رسمية، فانا منذ عشرات السنين أحمل العمر الذي اختاره لي موظف الأحوال المدنية، لكن فضيحتي كانت مدوية حينما حللت نزيلا في أحد الفنادق الراقية في بلد يتسم أهله بقسط وافر من الذوق، فنظر موظف العلاقات بالفندق في جواز سفري ووجد أن ذلك اليوم يوافق تاريخ مولدي، فبعث إلى غرفتي على سبيل المجاملة «تورتة» عليها عدد من الشموع، وبطاقة كتب عليها: «ذكرى ميلاد سعيد».

وقد تطلب الأمر مني وقتا طويلا كي أدرك أن ذلك اليوم يوافق يوم مولدي بحسب التاريخ المدون في جواز سفري، فألقى عامل خدمة الغرف بحمولته على الطاولة وهو يزم شفتيه تبرما برجل فاقد الذاكرة يحتاج إلى دقائق كي يتنبه إلى أن اليوم هو ذكرى ميلاده!

[email protected]