ابحثوا في التجربة الهندية

TT

يزور مائة من الشخصيات السعودية من مسؤولين حكوميين ورجال أعمال الهند بحثا عن الحقيقة في نجاح الهنود الذي صار قصة عالمية. وقد تقاطرت الوفود العربية على هذه الدولة التي كانت الى قبل زمن قصير محط نظرة دونية لفقرها وتخلفها وعجزها، وإن كانت دائما محل إعجاب بسبب استقرارها السياسي رغم تنوعها الديني وضخامة سكانها ومساحتها.

ما السر في البعث الجديد والنهضة الهندية؟

قرأت الكثير من التشخيص للحالة الهندية للعشر سنوات الماضية التي أثارت إعجاب الكثيرين لنجاحها السريع. بعضهم تحدث عن معالجة الدولة نفسها بالتخلص من الكثير من القوانين البيروقراطية والاشتراكية التي كانت سببا في العجز الدائم. وبعضهم أشار الى ان الهند اختارت طريق القطاع الخاص وشجعته رسميا، فكان هو المخلص بعكس الصين التي تقود الحكومة بنفسها قصة النجاح. والبعض رأى أن تركيز الهند على التطوير التقني جعلها تحدد الطريق الأفضل والأسرع، مما أضافها الى قائمة الدول التقنية المهمة دوليا. وأخيرا قرأت مقالا في مجلة النيوزويك قال إن السر يكمن في الاهتمام الجديد بالتعليم. وذكر تقريرها ان الحكومة فتحت المجال تحديدا أمام التعليم الخاص وشجعته لكل المراحل، فصار قائد المرحلة الجديدة، حتى ان الفقراء أيضا يرسلون أولادهم الى المدارس الخاصة التي تكلف بعضها في الشهر أقل من ثلاثة دولارات للطالب وتقدم تعليما أفضل من التعليم الحكومي. التعليم بدوره ركز على حاجات السوق كالتقنية التي صارت من أعمدة الازدهار الهندي.

ولا أدري إن كان أهلنا السعوديون ذهبوا هناك فقط لبيع النفط وتبادل العقود التجارية مع الشركات الهندية أم انهم سينظرون في القصة الهندية التي تعكس بنجاحها مرآة لفهم عجزنا عن الانطلاق بعيدا.

لقد حث الكثيرون منا على الاصلاح التعليمي لأنه المفتاح الحقيقي لأي تطور، ونحن نعلم جيدا أن الاتكال على براميل النفط أسوأ سياسة يمكن لأي حكومة ان تعتمدها، حيث رأينا ما أصابنا في مطلع الثمانينات عندما انهارت الأسعار وخسف بالمداخيل الحكومية، والقصة يمكن أن تتكرر لأسباب مختلفة.

التعليم في بلادنا العربية عموما هو أم المشاكل، والحكومات لم تفعل بعد ما يجب فعله من إصلاح في المناهج والأنظمة وفق خطة هدفها تطوير قدرات الطلاب وبالتالي إنجاح البلد نفسه. لقد ضاع عمر طويل من الجدل العقيم، والتردد الحذر، والإصلاحات الشكلية والجزئية، وتسيس النقاش، في حين ان المطلوب هو تمكين الطالب من ان يخرج قادرا على أن يؤدي عملا مطلوبا وناجحا. وأمامنا في العالم الفسيح الكثير من الانظمة التعليمية الدولية المختلفة الناجحة التي يمكن استنساخها إن كنا لا نستطيع أن نستنبط حلولا عملية لأنفسنا. فالتعليم الخاص لدينا، على سبيل المثال، حوصر بكثرة القوانين والملاحقات الادارية وفرض النمط التعليمي الحكومي الواحد.

وما الإعجاب بنجاح التجربة الهندية إلا لأنها ولدت في أوضاع صعبة وشبه مستحيلة بخلاف أوضاعنا الهينة نسبيا نظرا لصغر عدد سكاننا وكثافة مدخولنا المالي ووجود سوق ناجحة قادرة على أن تستفيد من التعليم الناجح.

[email protected]