إشكالية خطاب الشيخ الهلالي

TT

يصعب على المرء أن يصنف تصريحات مفتي أستراليا، الشيخ تاج الدين الهلالي، بأنها تصب في صالح المسلمين في تلك القارة البعيدة، فتصريحاته تفتقر إلى وضوح الغاية وجدوى الهدف، بل أخالها جالبة للكراهية وباعثة للأحقاد ضد المسلمين هناك، فهذا الشيخ، الذي قدم مهاجرا إلى أستراليا في عام 1982 وحصل على جنسيتها، وغدا مفتيها وأحد أعضاء مجلسها الاستشاري الإسلامي، ينشط هذه الأيام في طرح قضايا مربكة، على نحو من هو أحق بأستراليا؟ فهو يقول: «إن المسلمين أحق بأستراليا أكثر من أهلها من أبناء الأنجلو ساكسون، الذين ذهبوا اليها مكبلين بالقيود والأغلال، أما المسلمون فقد ذهبوا إلى الأراضي الاسترالية بحريتهم بحثا عن فرص أفضل في الحياة».

ولو سلمنا جدلا بوجهة نظره، فما الفائدة التي يمكن أن تعود على المجتمع المسلم من مثل هذا المقارنة، إن كان ثمة فائدة؟!.. فالشيخ الهلالي لا تكاد تهدأ له زوبعة حتى يثير أخرى، فبعد قضية «اللحم المكشوف»، ها هو يثير زوبعة أحقية المسلمين باستراليا من سكانها الآخرين، الأمر الذي قد يفهمه بعض الأستراليين على أنه إقصاء للآخر، أو على أقل تقدير بأنه يمثل أمنية للمفتي في تفريغ هذه القارة من ملايين سكانها وجعلها حكرا فقط على 280 ألف مسلم يعيشون في تلك البلاد، رغم يقيني بأن غالبية المسلمين في أستراليا لا تشارك مفتيها آراءه، وقد ترى في تصريحاته إسهاما في خلق مناخ يتسم بالعداء للإسلام والمسلمين..

وسيكون الأمر أقل سوءا إن لم تتجاوز ردود أفعال الأستراليين تجاه تصريحات الشيخ الهلالي موقف جون هوارد رئيس وزراء أستراليا، حينما وصف تلك التصريحات بأنها مجرد دعابة، وأن الأمر لن يؤدي إلى أكثر من ابتسامة ساخرة على وجوه الأستراليين، وإن كانت الابتسامة الساخرة، في حد ذاتها، أمرا لم نكن نتمنى أن يواجه به الشيخ الهلالي بحكم موقعه مفتيا للمسلمين، في قارة تحاول الأقلية المسلمة فيها التعايش الإنساني مع غيرها في سلام، بعيدا عن كل مسببات التوتر.

إن الشيخ تاج الدين الهلالي من موقعه مفتيا لتلك البلاد، أجدر به أن يهتم بتحسين أحوال المسلمين في تلك القارة البعيدة، التي يشكل فيها المسلمون أقلية محدودة، والعمل على مساعدتهم على التكيف مع بيئتهم الجديدة، وكذلك تعميق تواصلهم مع مجتمعاتهم الإسلامية، بدلا من وضعهم في موقع المواجهة مع غيرهم، عبر قضايا جدلية صرفة، مثل «من أحق بأستراليا؟!».

[email protected]