شعوب تقاتل بعضها

TT

أصبحت المعادلة مرعبة في العديد من الدول العربية. إنها معادلة شعوب تقاتل بعضها بعضاً داخل الوطن الواحد. لم تعد المسألة شعوباً موحدة تواجه الاستعمار الأجنبي، ولا شعوباً شبه موحدة تواجه أنظمة استبدادية، بل أصبحت المعركة داخل الوطن، وبين أبناء الشعب الواحد.

مجموع القتلى المدنيين في العراق منذ سقوط نظام صدام بلغ أكثر من إثنا عشر ألف قتيل. الأغلبية الساحقة منهم لم تقتلهم القوات الأميركية بل قتلوا بأيد عراقية. السيارات الطائفية المفخخة، وقتلى الأسواق الشعبية ودور العبادة هم ضحايا ميلشيات عراقية طائفية تذبح على الهوية. مئات الآلاف من القتلى في دارفور وجنوب السودان لم تقتلهم قوات أجنبية، فلم تكن هناك أصلاً قوات أجنبية قبل تدويل القضية. بل قتلوا على يد الجنجويد الذين تدعمهم الحكومة، أو على يد قوات الميليشيات الشمالية والجنوبية، وكانت الميليشيات السودانية تقتل أبناء عمومتها تحت شعارات الطائفية والدين. الذين يسقطون في غزة منذ أسابيع هم ضحايا حركتي فتح وحماس، وكانت الناس تتعاطف مع شهداء فلسطين عندما كان الإسرائيلي يقوم بقتلهم، أما الآن فقد أصبح الفلسطيني يموت على يد الفلسطيني. وهناك سباق لاستعراض القوة في الشارع بين حماس وفتح، وحشد ومظاهرات لإثبات القوة وسطوة كل طرف. فالمعادلة أصبحت «فلسطيني في مواجهة فلسطيني». الحالة اللبنانية لا تختلف كثيرا، جزء من الشعب اللبناني في مواجهة لبنانيين آخرين. المعارضة في مواجهة الموالاة، والضحية المباشرة هم الناس الذين تم تحريكهم ضد بعضهم البعض في حفلة أخرى لاستعراض القوة وكسر العظام !

هل نحن شعوب لا تتعلم من تجاربها ولا من تجارب غيرها؟ الم تكن الحرب الأهلية اللبنانية درسا بليغا لحجم الدمار والموت حين يتوجه سلاح لبناني إلى ابن عمومته ويقوم اللبناني بقتل الآخر؟ الم تتحول دولة مثل أفغانستان إلى العصور الوسطى عندما نشأ أمراء الحرب وقادة ما يسمى بالجهاد فتقاتلوا كالذئاب حتى جاءت القوات الأجنبية لتفرض السلام بالقوة؟

عصر الشعوب التي تقاتل بعضها هو عصر كريه ونفق مظلم لا أحد يدري نهايته، وعندما تغيب المواطنة ويتمترس الناس وراء انتماءاتهم الطائفية والدينية والحزبية فإن أي أمل في تنمية أو تطور سيكون مثل أمل إبليس في الجنة. وإذا استمرت هذه الحالة أو تدهورت أكثر فعلى هذه الشعوب أن تستعد لكارثة محدقة ربما لا ينجو منها احد، ستأكل الأخضر واليابس، وستحول هذه الدول إلى خرائب ينعق فوق أطلالها البوم ! فهل ستسلم هذه الشعوب رقبتها لزعماء الطوائف فتنتحر وهي بكامل وعيها وبشكل جماعي؟!